▪المحور الأول:ذِكر
يوم عرفة هو يوم الذكر والتسبيح والتهليل والتكبير، يومٌ تُرفَع فيه الأكفّ وتُسكَب فيه الدموع، يوم القرب والابتهال والخضوع لله سبحانه وتعالى.
وقد ورد في فضله حديثٌ عظيمٌ عن النبي ﷺ قال فيه:
> «خيرُ الدعاءِ دعاءُ يومِ عرفة، وخيرُ ما قلتُ أنا والنبيّون من قبلي: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيءٍ قدير».
ما أجمل أن يلهج لسانك في هذا اليوم بكلمة التوحيد، فهي الكلمة التي تُزيل من قلبك الأصنام البشرية والمادية، وتحرّرك من كل قيدٍ سوى الله. يرددها المؤمن بإخلاص، فينطلق موحّدًا، لا مترددًا.. صافيًا من الداخل، مستسلمًا لربه.
وحينها تنبعث من داخله معالم الفطرة السليمة، التي تعينه في إدراك مهمته الكبرى: مهمة الاستخلاف وعمارة الأرض، لا غفلة فيها ولا تواكل.
▪المحور الثاني:تذكير
يوم عرفة هو تذكيرٌ بصورتين:
🎯 تذكير بمشهد الآخرة.
🎯 وتذكير بحقيقة التنافس الأخروي.
انظر إلى ذلك الجمع العظيم على صعيد عرفة.. أناسٌ من كل جنسٍ ولون، واقفون في مكانٍ واحد، بلباسٍ واحد، لا فضل لأحدٍ على أحد، إلا بما في قلبه من إخلاصٍ وتقوى. أليس هذا مشهدًا مصغرًا من مشاهد يوم القيامة؟!
تأمل ذلك.. ثم استحضر قول النبي ﷺ:
> «تُحشرون يوم القيامة حفاةً عراةً غرلاً».
فكأن يوم عرفة بروحه وصورته وتجرّده هو تمرينٌ عملي على مشهد البعث، والموقف بين يدي الله. وإن المتفاضلين في عرفة بالذكر والدعاء هم أنفسهم المتفاضلون هناك: "فمن ثقلت موازينه فهو في عيشة راضية".
وفي المقابل، تأمل قوله تعالى:
> ﴿وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ﴾ [الزمر: 60].
هي وجوه أولئك الذين وقفوا في الدنيا في وجه الإصلاح والنهوض، وأفشلوا مشاريع الأمة، وحاربوا نور الدعوة، وأسرفوا في تزييف وعي الناس.. يوم القيامة تُسود وجوههم، ويفضحهم الله، فلا مكان يومئذٍ للمخادعين.
▪المحور الثالث:ذِكرى
عرفة أيضًا يحمل في روحه ذكرى أُسوةٍ عظيمةٍ في تاريخ البشرية، تجسّدها شخصية الخليل إبراهيم عليه السلام، وأسرته المباركة: هاجر وإسماعيل.
إنها ذكرى نضالٍ وبذلٍ وتضحية:
أبٌ يهاجر ويترك الوطن والولد.
أمٌّ تصبر على صحراءٍ قاحلة، لا ماء فيها ولا زاد.
وولدٌ يقول بكل رضا: ﴿يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ﴾ [الصافات: 102].
فأي تضحيةٍ هذه؟! وأي تسليمٍ هذا؟!
خلّد الله ذكر هذه الأسرة الناهضة، وامتد أثرها في العالمين. لقد ضربوا لنا المثل الخالد أن:
> لا نهوض بلا تضحية، ولا مجد بلا تعب، ولا رُقيّ بلا عزم.
إنّ النعيم لا يُدرَك بالنعيم، وإنما يؤخذ غلابًا.
> "وما نَيلُ المطالبِ بالتمني... ولكن تُؤخذُ الدنيا غِلابا"
وفي الختام
يوم عرفة فرصة سنوية عظيمة لإحياء معاني التوحيد، واستحضار مشهد المصير، والتأسّي بأهل التضحية والنهوض. فهنيئًا لمن عرف عرفة حقّ المعرفة.. فـ "من عرف، عرف" ومن عرف استعد ومن استعد فاز .
والسلام،،،
🖋 بقلم: هائل العواضي