استثمر في نفسك اليوم، واجعل التعلم عادة يومية. ابدأ الآن واجعل العلم رفيقك في رحلة النجاح. تابعنا على تيليجرام!

الجُمعةُ سيّدُ الأيّام


        الجُمعةُ يومٌ عجيبُ الشأن، عظيمُ المكانة، جليلُ القدر، رفيعُ الذكر. هو سيّدُ الأيّام، ومَلكُ الأسابيع، وميدانُ الطاعات، ومَوسمُ العبادات. فيه تجتمعُ الأسرارُ الربّانيّة، وتتنزّلُ البركاتُ الرحمانيّة، وتزدحمُ فضائلُه في صحائفِ البيان ازدحامَ الدُّرَر في العقود، وتتراءى مناقبُه في مرآةِ العقول ترائيَ البدرِ في الليالي السود.
          الجُمعةُ يومٌ مُبارك، شرفه الله بخصائصَ لا تُدرَك، منها أنّه خُلق فيه أبو البشر، وفيه دخل الجنان، وفيه أُهبط إلى دار الامتحان، وفيه تقوم الساعةُ يومَ الإعلان. فصار مبدأَ الخليقة، ومنتهى الحقيقة، بين بدءٍ بالجنةِ ونهايةٍ بالقيامة.
          وفي الجُمعةِ صلاةٌ جُمعةٍ تُقام، وجماعةٌ تُلزم، وخطبةٌ تُسمع، وموعظةٌ تُتلى. هي عَمودُ الدين، وتاجُ المسلمين، ومَعلَمُ الوحدة، وشعارُ الجماعة. يجتمعُ فيها الغنيُّ والفقير، والقريبُ والبعيد، والكبيرُ والصغير، صفًّا واحدًا كالبنيان المرصوص، لا يُرى بينهم تمييزٌ ولا اختصاص، بل يتلاقون تحت رايةٍ واحدةٍ هي رايةُ التوحيد، وفي قبلةٍ واحدةٍ هي قِبلةُ التمجيد.
           ومن فضائلها أنّها عيدُ الأسبوع، وزينةُ الزمان، ومَطْلعُ الإحسان. قال فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم: «خيرُ يومٍ طلعت عليه الشمس يومُ الجُمعة». فهي خيرٌ من كلّ يوم، وبركةٌ فوق كلّ بركة، وسَناءٌ يعلو كلَّ سَناء.
            والجُمعةُ ليست مجرّدَ اجتماعٍ للصلاة، بل هي مدرسةُ إيمان، ومَعرَضُ عِرفان، وساحةُ تزكيةٍ ووجدان. فيها تتربّى النفوسُ على الصبر، وتتعوّدُ القلوبُ على الذِّكر، وتتهيّأ الأرواحُ لملاقاةِ الفجر.
          ثمّ إنّها يومٌ تتضاعفُ فيه الحسنات، وتُكفَّر فيه السيئات، وتُجاب فيه الدعوات، وتُرفع فيه الدرجات. فيه ساعةٌ لو وافقها العبدُ وهو داعٍ صادقٌ لم تُردّ له مسألة، ولم تُخيَّب له آمال. فهي لحظةُ قُرب، وفرصةُ صفح، ونفحةُ رحمة.
            وللجُمعةِ آدابٌ تُجمّلها: الغُسلُ والتطيّب، ولبسُ أحسن الثياب، والإكثارُ من الصلاةِ على النبيِّ الكريم، وقراءةُ سورةِ الكهف ذات النورِ العظيم. فهي يومٌ يُزيَّن بالمهابة، ويُكلَّل بالهيبة، ويُشرقُ في القلوبِ إشراقَ الشمس في المشارق، ويَغمر الأرواحَ غَمرَ الماءِ للحدائق.
        وإذا نظرنا إليها من زاويةِ الاجتماع، وجدناها رمزَ وحدةٍ لا تفرقة، وعَلَمَ مساواةٍ لا طبقيّة. فهي تُذيبُ الفوارقَ بين الناس، وتجمعُهم في ساحةٍ واحدةٍ على مائدة الإيمان. ومن زاويةِ العبادة، فهي ذروةُ العبادات، ولبابُ الطاعات، وواسطةُ العقد بين الفرائض والسنن، وبابٌ مفتوحٌ إلى السماء لكلّ مؤمنٍ تائبٍ داعٍ.
         ولذلك ظلّت الجُمعةُ عبر العصورِ سيّدَ الأيام، ومحورَ الأحكام، ومَثابةَ الأنام، يُشرق نورُها في قلوبِ العارفين، وتبقى منارًا على طريقِ السالكين، حتى يرثَ اللهُ الأرضَ ومن عليها وهو خيرُ الوارثين.



ابو خالد بن ناظر الدین - خریج دار العلوم دیوبند الھند

إرسال تعليق

أووپس!!
يبدو أن هناك خطأ ما في اتصالك بالإنترنت. يرجى الاتصال بالإنترنت وبدء التصفح مرة أخرى.
الموافقة على ملفات تعريف الارتباط
نحن نقدم ملفات تعريف الارتباط على هذا الموقع لتحليل حركة المرور وتذكر تفضيلاتك وتحسين تجربتك.