استثمر في نفسك اليوم، واجعل التعلم عادة يومية. ابدأ الآن واجعل العلم رفيقك في رحلة النجاح. تابعنا على تيليجرام!

الدوائر العشر لتطوير الذات: خريطة وعي تقود إلى النهضة الفردية


في عالم تتسارع فيه المتغيرات، ويزداد فيه التحدي أمام الإنسان ليستعيد توازنه، تبرز الحاجة إلى أدوات عملية تعيد للفرد قدرته على القيادة الذاتية، وتحقيق التوازن بين ذاته الداخلية ومحيطه الخارجي. ومن بين النماذج الفكرية والتربوية المُلهمة في هذا السياق، نجد نموذج الدوائر العشر لتطوير الذات، الذي لا يقدم فقط وسيلة لفهم الذات، بل يشكل مدخلًا فعّالًا لبناء النهضة الفردية والاجتماعية.

خريطة الوعي الذاتي: من السيطرة إلى الرسالة

تنطلق الدوائر من دائرة التحكم، التي تُذكّر الإنسان بأنه يمتلك قوة القرار والتصرف في مجالات متعددة من حياته مثل وقته، أفكاره، وعاداته. وتليها دائرة التأثير، التي توسع مجال الوعي من التركيز على الذات إلى التأثير في الآخرين والبيئة. هاتان الدائرتان تُشكلان الأساس الحقيقي للفاعلية، وهما ما ركز عليه ستيفن كوفي في حديثه عن الأشخاص ذوي الفعالية العالية.
ثم تأتي دائرة الانشغال، التي تُضيّع فيها الطاقات حين يركّز الفرد على ما لا يمكن تغييره، فيغرق في الشكوى والانتقاد دون فعل. هذه الدائرة تُعدّ فخًا شائعًا في مجتمعاتنا، وتحرير الإنسان منها يعني انتقاله من دور الضحية إلى الفاعل.
أما دائرة القيم فهي بمثابة البوصلة الأخلاقية التي تضبط الاتجاه، وتحافظ على صدق المسار وسط فوضى الحياة. يليها التحدي الأهم: الخروج من دائرة الراحة إلى دائرة التعلم، حيث يبدأ التطور الحقيقي، وهو ما تحتاجه مجتمعاتنا بشدة كي تخرج من حالة الجمود إلى ديناميكية النهوض.

النهضة الفردية كمدخل للنهضة الحضارية

لا تقف الدوائر عند حدود التدريب الشخصي، بل تصل إلى العمق النفسي والاجتماعي من خلال دائرة القلق التي تكشف مخاطر البقاء في حالة توتر دائم أو مقارنات مدمّرة. ومن خلال دائرة التأثير الزمني يتعلم الإنسان ربط أفعاله الحاضرة بأثرها المستقبلي، فيمارس التخطيط العميق بدلًا من الاستجابة السطحية.
وتأتي دائرة التمكين لتؤكد أهمية البيئة والعلاقات والمحفزات في دعم مسيرة الإنسان، بينما تتوّج دائرة الرسالة هذا النموذج بوضع الإنسان في موقعه الصحيح: مخلوق ذو هدف، ومهمة، وغاية، لا مجرد كائن استهلاكي يسير خلف الآخرين.
وهنا تتجلى أهمية هذا النموذج في بناء نهضة حقيقية تبدأ من الفرد. فالنهضة ليست فقط مشاريع اقتصادية أو سياسية، بل تبدأ من سؤال بسيط: من أنا؟ وما دوري في هذه الحياة؟

نحو مشروع نهضوي شامل

حين نُعيد تشكيل وعي الإنسان بهذه الدوائر، فإننا نؤسس لنهضة واعية تبدأ من الداخل. فلا يمكن أن نُحدث تغييرًا حضاريًا دون أن يمتلك كل فرد وعيًا بذاته، بأدواره، وبقيمه. هذا النموذج يُقدّم وسيلة تربوية وتدريبية لتخليص الإنسان من التشتت، وربطه برسالته الكبرى، وهي خطوة أولى نحو بناء مجتمعات أكثر فاعلية، وإنتاجية، وقيادة.
إن الدوائر العشر لتطوير الذات ليست مجرد أدوات تنمية بشرية، بل هي خارطة ذهنية وروحية وأخلاقية يمكن أن تكون نواةً لمشروع نهضة شاملة، إذا ما طُبقت بوعي، وعُمّقت تربويًا، وتحوّلت إلى ثقافة مجتمعية.



د.سامر الجنيدي_القدس

Post a Comment

أووپس!!
يبدو أن هناك خطأ ما في اتصالك بالإنترنت. يرجى الاتصال بالإنترنت وبدء التصفح مرة أخرى.
الموافقة على ملفات تعريف الارتباط
نحن نقدم ملفات تعريف الارتباط على هذا الموقع لتحليل حركة المرور وتذكر تفضيلاتك وتحسين تجربتك.