في زمان تتناوش فيه القلوب شعارات كثيرة، وتُرفع فيه رؤوس لشعارات فارغة، يأتي "التكبير" ليعيد ضبط البوصلة. تلك الكلمة التي تُقال بقلوب عظيمة لا تنحني إلا لله، هي ليست مجرد شعار، بل مفتاحٌ لصناعة الإنسان الناهض، وبناء الأمة الصاعدة.
---
المحور الأول: التكبير وقوة الإيمان
حين كان النبي ﷺ يخلو بنفسه في غار حراء، ولمَّا يكن نبيًا بعد، لكنه كان يقف على جسر التأمل بين نقاء الفطرة ولوثان الواقع. وفي لحظة فاصلة جاءه جبريل عليه السلام، ليربط تلك الفطرة بمنبعها الأعلى.
عاد النبي ﷺ إلى خديجة يرتجف، لا من جبن، بل من هيبة الموقف وبُعد الرسالة. كانت تلك اللحظة، بداية صناعة "الناهض الأول" الذي سيغير وجه العالم، ومفتاح تلك النهضة كان الاتصال بالسماء.
---
المحور الثاني: التكبير ومشاريع الإصلاح الكبرى
ثم جاء الأمر الإلهي العظيم:
﴿يا أيها المدثر * قم فأنذر * وربك فكبر﴾ [المدثر: 1-3]
وكأن السماء تقول له: إنك الآن لست إنسانًا عاديًا... بل صاحب مشروع إصلاحي عالمي، فابدأه بصرخة التوحيد: "ربك فكبر"
قال ابن عاشور رحمه الله:
> "قُدم (ربك) على (فكبر) لإفادة الاختصاص، أي لا تكبر غيره، وهو قصر إفراد، دون الأصنام".
فلا نهوض ولا إصلاح ما لم يُبْنَ المشروع على أساس أن الله هو الأكبر من كل ما سواه.
---
المحور الثالث: التكبير ونجاح المشاريع الناهضة
قبل أن تنجح أي أمة، لا بد أن تنجح في تحقيق التوحيد والتكبير في قلوب أفرادها.
حين يُعلّم الله نبيه: "كبر ربك"، فإنه يضع القاعدة الذهبية:
> لا تُقام نهضة حقيقية إلا حين يكون "الله أكبر" في القلب، فيعظُم الله ويصغُر كل ما عداه.
عندها لا تخيفه التضحيات، ولا ترهبه التكاليف، ولا يُثنيه الجموع أو الكيد، لأن نظره معلق بالسماء، وقلبه عامر بعظمة الله.
---
التكبير: نشيد الناهض المسلم
"الله أكبر" ليست فقط كلمات، بل نشيد المسلم في كل حال:
يسمعها في الأذان بداية ونهاية.
يرددها في الركوع والسجود.
يرفع بها صوته في الأعياد، ليُعلن أن الفرح لا يُنسيه خضوعه لله.
يُرددها في المعركة والابتلاء، لتكون له زادًا وقوة.
إنها الكلمة التي تغذي القلب بالعزة، وتملؤه باليقين، وتربطه بخط السماء.
---
الخاتمة:
قال تعالى:
﴿وقل الحمد لله الذي لم يتخذ ولدا ولم يكن له شريك في الملك ولم يكن له ولي من الذل وكبره تكبيرا﴾ [الإسراء: 111]
فمن كبر الله تكبيرًا، عاش حرًّا، وارتفع عاليًا، وأصبح من صناع النهضة لا من عبّاد الواقع.
اللهم اجعلنا من الذين يكبرونك ويعظمونك في كل أوقاتهم، في سكونهم وحركتهم، في فرحهم وترحهم، في ضعفهم وقوتهم.
آمين.
🖋 هائل العواضي