استثمر في نفسك اليوم، واجعل التعلم عادة يومية. ابدأ الآن واجعل العلم رفيقك في رحلة النجاح. تابعنا على تيليجرام!

ما لا يُقاس لا يُدار: نحو نهضة قلبية وحضارية قائمة على الوعي والمراجعة


من القواعد الإدارية الشهيرة التي انتقلت من علم الإدارة إلى التفكير الاستراتيجي: "ما لا يُقاس لا يُدار" (What gets measured gets managed). وعلى الرغم من أن هذه القاعدة وُلدت في بيئة اقتصادية محضة، إلا أن إسقاطها على مشروع النهضة الحضارية والإصلاح الإيماني يكشف عن أبعاد تربوية وفكرية وروحية بالغة الأهمية.

ذلك أن الإيمان، كما النهضة، ليس مجرد مشاعر أو أحلام أو رغبات، بل هو مسار واعٍ ومقوّم ومرصود. وما لم ندخل هذا المسار في منطق القياس والمساءلة والمراجعة، سنبقى نتخبط بين الحماسة المؤقتة، والتراجع المستمر.

أولًا: من الإدارة إلى الإيمان... هل يمكن قياس ما هو روحي؟

قد يظن البعض أن الإيمان والنهضة والنية والصدق والإخلاص، أشياء لا يمكن قياسها لأنها غيبية أو باطنية. وهذا خلط بين الجوهر الخفي والأثر الظاهر.

الإيمان لا يُقاس بمسطرة أو جهاز، لكنه يظهر في:

خشوع الصلاة.

ضبط اللسان.

الصبر في الابتلاء.

قوة العزم عند الاختيار.


وكذلك النهضة لا تُقاس بالشعارات، بل في:

وعي الأمة بذاتها.

جودة التعليم.

منظومة القيم.

الارتباط بالمشروع الحضاري.

إذن: نقيس بالإشارات، لا الجوهر. ونرصد الأثر لا النوايا.

 ثانيًا: لماذا لا يمكن إدارة النهضة أو الإيمان بلا قياس؟

1. لأننا نتغير باستمرار

القلوب تتقلب، والعزائم تضعف، والمجتمعات تصعد وتهبط.
والوعي بالتغير يستلزم أدوات لرصده وضبطه.

2. لأن الإيمان عملٌ وتربية، لا مجرد عقيدة

كما قال النبي ﷺ: "إن الإيمان ليَخْلَقُ (يَبلى) في جوف أحدكم..."
فإدارة الإيمان تستلزم التجديد والمراجعة والقياس.

3. لأن النهضة لا تقوم على الحماس، بل على نظام تربوي وفكري منضبط

لا يكفي أن نحلم بنهضة، بل نحتاج أن نسأل:

أين نحن اليوم من شروط النهضة؟

ما مدى رسوخ عقلية النهضة في شبابنا؟

ما مستوى الاتساق بين رؤيتنا القيمية وسلوكنا الفردي؟
وكل هذا يحتاج أدوات للقياس الواعي.

 ثالثًا: كيف نقيس ونُدير مشروعنا الإيماني والنهضوي؟

المجال مؤشر القياس أداة الإدارة

الإيمان الفردي المواظبة على الصلاة، تدبر القرآن، محاسبة النفس دفتر محاسبة يومي، صحبة صالحة، مراجعة ذاتية
الوعي الحضاري فهم سنن التغيير، استيعاب المفاهيم الكبرى (العقلية، التصورات...) دورات فكرية، اختبارات تقييم ذاتي، ورشات عمل
المشروع الجماعي مدى وضوح الرؤية، فعالية العمل الجماعي، جودة الخطاب تقارير دورية، تقييم استراتيجيات، قياس الأثر المجتمعي

 رابعًا: لماذا يغيب القياس في العمل الدعوي أو الإيماني أو النهضوي؟

لأننا نقدّس النية ونهمل التخطيط، ونخلط بين الإخلاص والارتجال.

لأننا نخشى كشف القصور، فنتجنب القياس خوفًا من مواجهة الحقيقة.

لأن العقلية الغالبة ما تزال عاطفية أكثر من أنها استراتيجية.


لكن القرآن علمنا خلاف ذلك، قال تعالى:

> "وَكُلَّ إِنسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ، وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنْشُورًا" [الإسراء: 13]
فيها: توثيق، تسجيل، محاسبة، وقياس واضح للمصير.

 خاتمة:

النهضة تبدأ من القلب، ولكنها لا تستمر إلا بمنهج.
والإيمان يضيء الروح، لكنه يحتاج صيانة دائمة.

فمن أراد أن ينهض بنفسه أو بأمته، فليبدأ بسؤال بسيط وعميق:
هل أملك أدوات قياس ما أؤمن به وأعمل لأجله؟
لأن ما لا يُقاس... لن يُدار.
وما لا يُدار... سيفلت من بين أيدينا ونحن نظن أننا نسير إلى الله.


د.سامر الجنيدي_القدس

Post a Comment

أووپس!!
يبدو أن هناك خطأ ما في اتصالك بالإنترنت. يرجى الاتصال بالإنترنت وبدء التصفح مرة أخرى.
الموافقة على ملفات تعريف الارتباط
نحن نقدم ملفات تعريف الارتباط على هذا الموقع لتحليل حركة المرور وتذكر تفضيلاتك وتحسين تجربتك.