استثمر في نفسك اليوم، واجعل التعلم عادة يومية. ابدأ الآن واجعل العلم رفيقك في رحلة النجاح. تابعنا على تيليجرام!

المشروع الصهيوني أم المشروع الصفوي؟ أم غياب المشروع السني؟ رؤية في موازين الخطر ومواطن الخلل


كثيرًا ما ينشغل المفكرون والسياسيون وعامة الناس بسؤال: من هو الأخطر على الأمة الإسلامية؟ هل هو المشروع الصهيوني الذي يحتل الأرض ويشرد الشعب ويعادي العقيدة؟ أم هو المشروع الصفوي الذي يلبس ثوب التشيّع ليخترق الأمة من داخلها؟ هذا الجدل، وإن كان مهمًا في فهم التهديدات الخارجية، إلا أنه قد يغفل عن التهديد الأخطر والأعمق: غياب المشروع السني الحضاري النهضوي الجامع. فالأمم لا تسقط فقط بسبب أعدائها، بل بسبب عجزها عن بناء ذاتها، والتخلف عن مواكبة سنن الحضارات والتغيير.

أولًا: المشروع الصهيوني — خطر واضح المعالم

المشروع الصهيوني مشروع استيطاني إحلالي، أُسِّس على فكرة «الشعب المختار» وأرض الميعاد، يهدف إلى إقامة دولة يهودية على أرض فلسطين، ولو على حساب تشريد أهلها وسفك دمائهم. منذ وعد بلفور عام 1917 مرورًا بنكبة 1948، وصولًا إلى الاحتلال المستمر، فإن هذا المشروع لم يكتفِ باغتصاب الأرض، بل سعى إلى تفتيت المنطقة، وإدامة الصراع العربي-الإسلامي، وتكريس التفوق العسكري والاستخباري والتقني.
لكن رغم خطورته، يظل المشروع الصهيوني مشروعًا خارجيًا ظاهرًا، له حدود وجغرافيا وأهداف معلنة، وهو ما يجعله هدفًا يمكن مقاومته ومجابهته من خلال الوعي، والرفض، والمقاومة بكل أشكالها، وهذا ما حدث فعلًا في بعض مراحل التاريخ الحديث.

ثانيًا: المشروع الصفوي — خطر التسلل والتشويه

المشروع الصفوي، الذي أعيد إحياؤه بعد الثورة الإيرانية عام 1979، يمزج بين الطائفية والمذهبية والسياسة. وهو يتبنى نظرة توسعية باسم "نصرة المستضعفين" و"تصدير الثورة"، لكنه في جوهره يسعى إلى بسط النفوذ الشيعي على المنطقة. من العراق إلى سوريا، ومن لبنان إلى اليمن، تحاول إيران أن ترسم خريطة جديدة للمنطقة من خلال أدوات طائفية ومليشيات مرتبطة بالولاء الديني والسياسي للولي الفقيه.
خطورة المشروع الصفوي تكمن في أنه يتغلغل داخل البنية المجتمعية للأمة، عبر الخطاب الديني والشعارات الثورية، ويستغل مظلومية بعض الشعوب لكسب الحضور، وقد ساعده في ذلك فراغ المشروع السني، وتشتت القيادات، وغفلة الجماهير عن الخطر المذهبي حين يُغلّف بشعارات "المقاومة" و"العداء لأمريكا وإسرائيل".

ثالثًا: غياب المشروع السني — الجذر الحقيقي للخطر

ورغم ما سبق، فإن أخطر ما يهدد الأمة اليوم ليس هذا المشروع أو ذاك، بل غياب مشروع حضاري سني جامع، قادر على استيعاب الطاقات، وتوجيه الهوية، وصناعة البديل. فالمشاريع لا تُحارب إلا بمشاريع مضادة. أما غياب المشروع السني فهو الذي جعل الأمة تتخبط في ردود الأفعال، وتعيش على الهامش الحضاري، وتتنازعها التيارات.
المشروع السني – حين وُجد – كان مشرقًا، كما في تجارب الخلافة الراشدة، والدولة الأموية، والعباسية، والعثمانية. لكنه اليوم يعاني من:
  • • غياب الرؤية الواضحة للنهضة.
  • • ضعف القيادة الملهمة الجامعة.
  • • الانشغال بالخلافات الهامشية والطائفية.
  • • التبعية للنظم الدولية دون مشروع ذاتي.
  • • عدم استثمار القرآن والسنة في بناء حضارة لا مجرد شعائر.
المشروع الصهيوني والصفوي نجحا لأن وراء كل منهما فلسفة، وتمويل، وتنظيم، وقيادة. أما نحن في التيار السني، فلدينا العقيدة الصحيحة، والمرجعية النقية، لكننا نفتقد إلى «المشروع» بمعناه الشمولي: مشروع يجمع بين الفكرة، والخطة، والقيادة، والوسائل، ويخاطب الواقع بلغة المستقبل لا الماضي.

خاتمة

العدو الأخطر ليس من يحتلك وأنت مستيقظ له، بل من يُحكمك وأنت نائم أو غائب. وإن كان لا بد من ترتيب للمخاطر، فالمشروع الصهيوني خطر خارجي، والصفوي خطر داخلي، لكن غياب المشروع السني هو الخطر الجذري، لأنه يترك الأمة بلا بوصلة، فتكون عرضة لكل مشروع خارجي يتربص بها.
لقد آن الأوان للتيار السني أن يتحول من رد الفعل إلى الفعل، ومن الشتات إلى البناء، ومن الشعارات إلى المشاريع. فالتاريخ لا يرحم الغائبين، والحضارات لا تُقام بالصراخ، بل بالمشاريع والنهضة والوعي والتخطيط.



د.سامر الجنيدي_القدس


تعليق:
تصنيف جيد ، لكن ألا ترون أن التقسيم:
"شيعي / سني" هو نفسه خلل طارئ على الأمة الأصل!!؟

وأن الرسالة الربانية الحقيقية تأبى هذا التقسيم الذي يكرسه الطرفان!!
يكرسانه مع ضعفا وقوة
فيحكمان على أدائهما مسبقا بالبقاء تحت عتبة العالمية مهما نهضوا!!
ينهض أحدهما على حساب الآخر!!
ومن دون أن يحلم أحدهما بالتعاون مع الآخر!!
في اجترار أبدي !!
يغذيانه بتكرار العدوان مقابل الأحقاد
والعدو أيا يكن مستريح متنام !!

ربما الأجدى إبداع منهج متعال عنهما ومنطلق من ما يرجعان إليه معا:
فيقودهما بما عندهما معا من براهين الى الأصل الموحد،
لأجل انطلاق موحد
صحيح ، عالمي ، ورسالي
بحيث ترفض عندهما الشعوب مسبقا ، كل قيادة طائفية ..منغلقة..عمياء عن العدل والرحمة
لصالح كل قيادة تبدي مسبقا أيضا، وعيا جديدا !!
ينطلق بريئا من نفس الأخطاء

فإذا نظر إلينا الناس كافة:
أمتين بقرآن واحد !!
صددناهم قبل كل مدارسة !!
وإن نظروا إلينا، وأغلبهم حاليا يتلمسون الهدى وسط الظلام، إن نظروا الى اختلافنا وقد جعلناه خصوبة وتنوعا ، وقدرة على التصحيح والتصالح الداخلي، آمنوا عندنا على مستقبلاتهم، فأقبلوا على التعاون الخارجي، وعلى دروس ومدارسات الرسالة
والعكس بالعكس 

فمن كان مخلصا نظر الى الرسالة كلها : كيف يخدمها لتخدمه حالا ومصيرا
ومن كان في هذه أعمى فهو في الآخرة أعمى وأضل سبيلا

Post a Comment

أووپس!!
يبدو أن هناك خطأ ما في اتصالك بالإنترنت. يرجى الاتصال بالإنترنت وبدء التصفح مرة أخرى.
الموافقة على ملفات تعريف الارتباط
نحن نقدم ملفات تعريف الارتباط على هذا الموقع لتحليل حركة المرور وتذكر تفضيلاتك وتحسين تجربتك.