عن النفوس الطاهرة حين تُحاصر..
في كل عصر، يولد النُبلاء، أولئك الذين خُلقوا بعاطفةٍ فائقة، بقلبٍ يشبه نبعًا رقراقًا، يفيض حبًا وعطاءً وتسامحًا دون انتظار مقابل..
هم الذين يحملون النوايا الطيبة على أكفهم، ويحسنون الظن في الناس كما ينثر الزهر شذاه في الآفاق...
لكن في المقابل، ليس كل زمان جدير بإقامة العدل..
وليس كل مجتمع يردّ المعروف أو يحسن ضيافة النُبل..
في بيئة يختلط فيها التهكم بالأنانية، يُصبح النُبل سذاجة، ويُعامَل الحياء كضعف، ويُستغل الكرم حتى يستنزف صاحبه..
في هذه البيئة، يحاول النبيل أن يبرر تصرفات من حوله، أن يغفر، أن يُكرّر المحاولة، ظنًا منه أن الخير لا يُقابَل إلا بخير، وأن النوايا الطيبة لابد وأن تُثمر..
لكن الحقيقة القاسية التي لا فرار منها، هي أن بعض المجتمعات تطحن الطيبين، تسخر من نقائهم، وتُكافئهم بالجحود والنكران..
أحيانا يحاول النبيل إنكار حقيقة مجتمعه ويلتمس ألف مليون عذر حتى يهرب من مواجهة الحقيقة ..
لأن ثمن مواجهتها سيمحق الخير فيه ويدحس العطاء والفيض في نفسه ويحوله لمسه يشبههم..
يرى أنه خاسر على الحالين إذا تجاهل واستمر بالعطاء مع المزيد من طعنات النكران ولطمات الخذلان..
وإذا واجه الحقيقة التي ستغير جوهره وتحرق باليأس بستان الأمل يخسر أيضا..
حرب قالت فيها العرب: كجادع أنفه بيده..
الاستمرار يُنهك الروح، والانغلاق يُميت أجمل ما فيه...
وكلما حاول النبيل التكيّف دون أن يخسر نفسه، وجد أن طاقته تستنزف، وأن بستان الأمل الذي يرعاه بدأ يجف تحت شمس الواقع الحارقة..
ليست الأزمة في الناس فقط، بل في صدمة التوقعات، في رفض تصديق أن الخير لا يُقابل دائمًا بخير، في الخوف من أن يتحول القلب المعطاء إلى قلب قاسٍ يُشبه القساة.
النُبلاء لا يخشون الخذلان بقدر ما يخشون أن يصبحوا مسوخا كمن خذلهم..
لكن ربما النصر الحقيقي في أن تحفظ ذاتك رغم العواصف.
أن تنتقي من تمنحهم قلبك، لا أن تغلقه..
أن تبقى نبيلاً، لكن واعيًا. لا تقف في الساحة بلا درع، ولكن لا تخلع عنك عباءة النُبل..
فالله لا يُضيع أجر من أحسن عملًا.
والنقاء ليس ضعفًا، بل قوة لا يعرفها إلا من ذاق مرارة الجحود، ورفض أن يتحول لمرآةٍ له.
ابق نبيلاً، حتى وإن خسرت، لأنك في الحقيقة، الرابح الأوحد.
#فاطمة_بنت_الرفاعي