كيف حل أردوغان المسألة الكوردية ؟

تعتبر الأزمة الكوردية من أكثر الأزمات الجيوسياسية في العصر الحديث لعدة اعتبارات، تمددها في عدة بلدان مع إختلاف طابع الأزمة في كل بلد، تنوعها من حيث أنها أزمة عرقية، دينية، سياسية وتاريخية، كما أن الأكراد أكبر مجموعة عرقية في العالم بدون دولة مستقلة.

ما يجعلها مسألة شائكة رغم أن الإعلام لم يسلط عليها الضوء، فقد لخص الرئيس الأمريكي السابق كما سيأتي تفصيله، بأن الأكراد مجموعة غير مهمة لأنهم غير منظمين ولا يصلحون لإدارة الدول.

فلم كل هذا الإتفاق الدولي على اضطهاد الهوية الكوردية، لماذا لم تمنح لهم دولة، لماذا يتم تعتيم مطالبهم، وتقزيم نضالهم الثقافي ؟ 

⿡ الأكراد بين الإستعمار الشرقي، الوحدة الإسلامية والخيانة الغربية:

ترصد التاريخ تواجد العرق الكوردي بشمال إيران الحالي 10 قرون قبل الميلاد، حاليا يتربعون على نصف مليون كم2، موزعة على تركيا، سوريا، العراق، إيران والقوقاز، يعدون بالإضافة إلى الشتات الموزعين عبر العالم بحوالي 40 مليون نسمة، يتواجد قرابة نصفهم بتركيا أين تبلغ نسبتهم من 12 إلى 18% من الشعب التركي البالغ 86 مليون نسمة، ويقطنون شرقي تركيا بالأناضول بخمس مساحة تركيا.

لقد كتب كبار المؤرخين قديما وحديثا عن أصل العرق الكوردي وتسميتهم، وقد اختلفوا كثيرا بعدد مناهج التأريخ بين المنهجية الأنثروبولوجية، اللغوية، الأثرية والجينية ثم باعتماد النصوص التاريخية القديمة كمرجع أساسي كالذي دونه عنهم المؤرخ اليوناني زينوفون.

المتفق عليه أنهم من العرق الآري، وظهروا بعد السومريين، وتداخلوا مع الآشوريين، الأرمينيين، الفرس والساسانيين.

لم تقم لهم قائمة إلى غاية دخولهم في الإسلام في القرن السادس للميلاد، ولا يزال 75 % من الأكراد من السنة على المذهب الشافعي، وما تبقى منهم يتوزع معظمهم على الشيعة وقلة قليلة على باقي الأديان الموحدة والوثنية. 

برز الأكراد في عدة دويلات إسلامية، الشدادية بأرمينيا الشرقية (951 - 1147)، المروانية شرق الأناضول (983 - 1085)، الأيوبية (1169 - 1250)، وقد أسسها صلاح الدين الأيوبي فاتح القدس ومحرره من الصليبيين وقد امتد حكمهم من مصر وحدود المغرب الإسلامي غربا على أنقاض الدولة الفاطمية وكل الشرق الأوسط شرقا.

أما كأول ظهور لكلمة كوردستان كمصطلح جغرافي فقد كان في عهد السلاجقة بالقرن 12 م، لما فصل سنجار القسم الغربي من إقليم الجبال وجعله ولاية تحت حكم قريبه سليمان شاه تحت اسم كوردستان.

وتعتبر هاته الفترة المرحلة الذهبية في تاريخ الأكراد، وعاشوا في الشتات بعد ذلك كقوة غير منظمة تدخل في حكم الدول التي تحتل المنطقة. 

وبما أننا نتناول المسألة الكوردية بتركيا بالدرجة الأولى فحري أن نتطرق إلى نبذة حول علاقة الأكراد بالدولة العثمانية ثم الجمهورية التركية.

ففي بداية القرن السادس عشر للميلاد تأسست الدولة الصفوية (1501 - 1722) شمال إيران ثم بدأت تتوسع نحو إيران، أذربيجان والعراق حيث تشيع نسبة كبيرة من الأكراد ولا يزالون إلى يومنا هذا تحت الفرقة الإثني عشرية والعلوية يحتلون نسبة قد تصل من 12 إلى 15 % من إجمالي الأكراد. 

كانت الدولة العلية العثمانية في أبهى عصورها وبالأخص عسكريا، حيث عرفت في تلك المرحلة التي وصلت فيها الدولة الصفوية إلى حدودها وبداية موجات التشيع شرقي الأناضول باستلام الجيش الإنكشاري لزمام الحكم لحد عزل سلاطين وتعيين آخرين، مع احترام النظام الملكي الداخلي، وقد تأخر الرد على التوسع الصفوي لانشغال العثمانيين بالفتوحات غربي أوروبا حيث وصلوا إلى تخوم النمسا. 

أكبر هزيمة تلقتها الدولة الصفوية كنقطة بداية انهيارها كانت بمعركة جالديران سنة 1514م على يد السلطان سليم الأول ضد الشاه إسماعيل الصفوي وهذا بعد قتل نحو الأربعين ألفا من الشيعة كسبب مباشر مفتعل لاندلاع الحرب بين العثمانيين والصفويين.

وكانت هناك دفعة ثانية عام 1534م، وثالثة عام 1548م، فقد كرر المواجهات سليمان القانوني للسيطرة على بغداد والعراق، أما السلطان مراد الرابع فقد عقد معاهدة زهاب سنة 1639م بينه وبين الشاه صفي الصفوي، لتنهار بعد أن تم تطويقها شرقا من طرف الدولة الأفغانية حديثة النشأة آنذاك. 

وهكذا بقي إقليم الأكراد تحت الحكم العثماني، متمردين أحيانا بغية الحكم الذاتي ومتحالفين خاصة ضد الإستعمار الأجنبي وبالأخص الروسي في الحرب العالمية الأولى.

⿢ النضال حول القضية الكوردية في العصر الحديث:

آخر تقسيم للمنطقة كان بعد بدايات انهيار الخلافة العثمانية التي ساهموا في اسقاطها بوعد من الغرب أن تكون لهم دولة دولة مستقلة، وجاء التقسيم النهائي الذي لا يزال ساريا اليوم بمعاهدة لوزان سنة 1923 م التي خذلتهم ولم تفي بالوعود الغربية تجاه الأكراد، وبفعل القوة الديبلوماسية لكمال أتاتورك مؤسس الجمهورية التركية الحديثة ذات التوجه القومي التركماني، وذلك بعد أن تنازل عن ليبيا، قبرص، مصر، السودان، العراق، الشام وفلسطين واستعادة الأراضي الكوردية بابطال معاهدة سيفر التي حثته على مغادرة الأراضي الكوردية تدريجيا كونهم لا يندرجون ضمن الإقليم المتحدث باللغة التركية.

وقد ناضل الأكراد ودافعوا عن حقوقهم بقوة وقد برز عدة سياسيين منهم الديبلوماسي الكوردي شريف باشا، فبعد أن تحاشاهم بروتوكول الآستانة سنة 1913م، سايكس بيكو سنة 1916 م، إعلان الرئيس الأمريكي للمبادئ ال 14 لحق الشعوب في تقرير المصير، تم تقديم عدة مذكرات في مؤتمر باريس للسلام لا سيما لرئيس المؤتمر جورج كليمنصو ما جعل الحلفاء يدخلون بنود تتعلق بالأكراد في معاهدة سيفر بباريس سنة 1920م، ومما تضمنته الوثيقة حل المشكلة الكوردية على مراحل تنتهي بالإستقلال على أساس أنها أراضي غير ناطقة بالتركية، وقد تم نقضها بمجهودات كمال أتاتورك لا سيما في مؤتمر لندن عام 1921م، ولوزان عام 1923م كما أسلفنا القول.

يختم الكاتب محمود العدم مقال نشر عام 2018م بموقع الجزيرة تحت عنوان: الأكراد الطامحون للدولة.. خذلهم حلفاؤهم كل مرة، بقول الباحث بالمعهد الفرنسي للشرق الأوسط بوريس جيمس، معتمدا على مقولة للرئيس الأمريكي وودرو ويلسون، أنه وفقا لمنطق الولايات المتحدة الأمريكية والقوى الدولية فإن الأكراد مجموعة غير مهمة كونهم غير منظمين جيدا ولا خبرة لهم في إدارة الدول.

ويحاول اليوم علمانيو الأكراد ربط القضية الكوردية بالقضية الإسرائيلية، فقد نشر مثلا كارزان مراد من قسم العلاقات الدولية والأمن العالمي (قسم الشرق الأوسط) من جامعة APUS الأمريكية بحثا معتمدا على 14 مرجعا في التاريخ والجغرافية السياسية، بذكر نقاط التشابه بين المسألتين، متناسيا أن الدول التي أسست إسرائيل هي نفسها التي خذلت الأكراد بوعد كاذب بأن تمنح لهم دولة بعد سقوط الخلافة العثمانية، بدعوى عدم أهليتهم لإنشاء وتسيير دولة، كونهم لا يملكون لغة واحدة موحدة، فالكوردية تنقسم إلى خمسة لغات رئيسية وعدة لهجات متباعدة،ومتوزعين على عدة ديانات ومذاهب وفرق رغم كون 90 % منهم مسلمون، وهنا نعيد طرح السؤال عليهم لم التخوف من الأكراد؟

يتبع ...

⿣ حزب العمال الكوردستاني من التأسيس إلى 2002م.

⿤ مراحل حل المسألة الكوردية في عهدة أردوغان 2002 - 2025 م.

⿥ آفاق التوافق التركي الكوردي.

مقال بقلم أ. سعيد فراڨة