استثمر في نفسك اليوم، واجعل التعلم عادة يومية. ابدأ الآن واجعل العلم رفيقك في رحلة النجاح. تابعنا على تيليجرام!

حَمَلَةُ مِصْبَاحِ النُّبُوَّةِ: أَصْحَابُ رَسُولِ الله ﷺ


إذا أطللنا على أفق الكون، وتأملنا في طبقاته العُليا، فإننا لا نجد بعد صفوة الأنبياء الكرام عليهم الصلاة والسلام طبقة أرفعَ شرفًا، وأطهرَ قلبًا، وأسمى مكانةً من طبقة الصحابة الكرام رضي الله عنهم أجمعين. أولئك النفوسُ القدسية الذين أشرقَت على قلوبهم وعقولهم أنوارُ شمس الرسالة بلا حجاب، وتلقَّوا فيوضَ الوحي الإلهي مباشرةً، ونهلوا من معين الدين القويم من فم صاحب الوحي والقرآن ﷺ، فعملوا به، وبلَّغوه إلى الأمة صافياً نقيًّا كما فاض من عين النبوة.
لقد صقلت مجالسُ المصطفى ﷺ أخلاقَهم، وهذَّبت شمائلَهم، وارتقت بسيرتهم حتى غدت على مثال خُلُقِ محمد ﷺ الكامل. ولما دعتهم الحاجة إلى التضحية في سبيل رضا الله، بذلوا نفوسَهم وأموالَهم، وترَكوا أوطانَهم وعشائرَهم، وكلَّ عزيزٍ لديهم، عند أقدام الحبيب ﷺ. فكان وفاؤهم وطاعتُهم أمثلةً خالدةً سطَّرتها صفحاتُ التاريخ بمداد الذهب، وجعلت منها للأجيال إلى قيام الساعة درسًا في الفداء والإخلاص.
وسنتناول في هذا المقال – بإيجاز – ما ورد في كتاب الله العزيز، وفي سنة نبيه ﷺ، وفي أقوال أئمة الأمة، من بيانٍ لقدرهم ومكانتهم، عسى أن نزداد لهم تقديرًا ومحبةً.

تعريف الصحابي-

قال الحافظ ابن حجر العسقلاني رحمه الله في نزهة النظر بشرح نخبة الفكر (ص: 107، مكتبة البشرى، كراتشي): "هو من لقي النبي ﷺ مؤمنًا به ومات على الإسلام، ولو تخللت ردة في الأصح."

أي: هو من اجتمع بالنبي ﷺ مؤمنًا به، ومات على الإسلام، ولو ارتدَّ بعد لقائه ثم تاب قبل موته. وهذه العبارة بلغت من الشمول والدقة مبلغًا جعلها أوضح التعاريف وأرجحها عند جمهور العلماء، حتى صارت معيارًا في ضبط مفهوم الصحبة.

عظمة الصحابة في ضوء القرآن الكريم -

إن أردتَ الميزان الحقَّ لمعرفة رفعة مقام إنسان، فلا أصدقَ ولا أعدلَ من ميزان القرآن الكريم؛ فهو منزَّه عن المبالغة، ومحفوظ من الكذب والتحريف. ولذا فقد أثبت الله جل شأنه في كتابه الخاتم الأبدِيِّ الفضلَ الرفيع للصحابة الكرام، وكرَّر ذكر صفائهم القلبي، وعلو منزلتهم، وقربهم من مرضاة الله.
قال تعالى:
١. ﴿ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ ۚ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ ۖ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا... ﴾ (الفتح: 29)
هذه لوحة قرآنية جامعة لصفاتهم: شدّة على أعداء الله، رحمة بين المؤمنين، ملازمة للركوع والسجود، وطلب دائم لفضل الله ورضوانه.
٢. ﴿ وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ﴾ (التوبة: 100)
رضا الله عنهم، ورضاهم عنه، شهادة أبدية بعلو شأنهم، وبشارة لمن اقتدى بهم بالفلاح الأبدي.
٣. ﴿ أُولَٰئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُم بِرُوحٍ مِّنْهُ ﴾ (المجادلة: 22)
أي: أن الله هو الذي رسَّخ الإيمان في قلوبهم، وأمدَّهم بنصرٍ وروح منه، فأيُّ شهادة أرفع من أن يكون الإيمان مكتوبًا في القلوب بيد القدرة الإلهية؟
٤. ﴿ أُولَئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى ۚ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ ﴾ (الحجرات: 3)
لقد اختبر الله قلوبهم واصطفاها للتقوى، فكانت لهم المغفرة والفضل العظيم.
وهذه الآيات – وغيرها كثير – تؤكد أن محبتهم جزء من الإيمان، وبغضهم علامة النفاق، وأنهم معيار يهتدي به اللاحقون.

عظمة الصحابة في ضوء السنة والآثار -

بعد القرآن الكريم، تأتي السنة النبوية المطهرة حجةً قاطعة في تقرير فضل الصحابة. فقد مدحهم رسول الله ﷺ، وبيَّن مناقبهم، وأمر الأمة بإكرامهم.

من ذلك:
  1. «لَا تَمَسُّ النَّارُ مُسْلِمًا رَآنِي أَوْ رَأَى مَنْ رَآنِي» (الترمذي، ج 2، ص 225)، شرف النظر إلى وجه النبي ﷺ أو النظر إلى من رآه، كافٍ لسلامة صاحبه من النار.
  2. «أَكْرِمُوا أَصْحَابِي، فَإِنَّهُمْ خِيَارُكُمْ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ» (مشکاة المصابيح، ص 554)، فأفضل الناس بعد الأنبياء هم الصحابة، ثم التابعون، ثم أتباعهم.
  3. عن سعيد بن زيد رضي الله عنه: "وَاللهِ لَغُبَارٌ يُصِيبُ وَجْهَ رَجُلٍ مَعَ رَسُولِ اللهِ ﷺ فِي سَفَرٍ خَيْرٌ مِنْ عَمَلِ أَحَدِكُمْ وَلَوْ عُمِّرَ عُمْرَ نُوحٍ".
  4. وعن ابن مسعود رضي الله عنه: "إِنَّ اللهَ نَظَرَ فِي قُلُوبِ الْعِبَادِ، فَوَجَدَ قَلْبَ مُحَمَّدٍ ﷺ خَيْرَ قُلُوبِ الْعِبَادِ، فَاصْطَفَاهُ لِرِسَالَتِهِ، ثُمَّ نَظَرَ فِي قُلُوبِ الْعِبَادِ بَعْدَ قَلْبِهِ، فَوَجَدَ قُلُوبَ أَصْحَابِهِ خَيْرَ قُلُوبِ الْعِبَادِ، فَجَعَلَهُمْ وُزَرَاءَ نَبِيِّهِ...".

عقيدة أهل السنة في الصحابة-

أجمع أهل السنة والجماعة على:
تزكية جميع الصحابة، وإثبات عدالتهم.
الكف عن الطعن فيهم.
محبتهم دين، وبغضهم نفاق.
قال ابن همام في المسایرة: "تزكية جميع الصحابة واجبة، وإثبات عدالتهم فرض، والكف عن الطعن فيهم لازم، والثناء عليهم من الإيمان".
وقال ابن تيمية في شرح العقيدة الواسطية: "ومن أصول أهل السنة سلامة قلوبهم وألسنتهم لأصحاب رسول الله ﷺ".

الصحابة معيار الحق والهدى-

قال تعالى: ﴿ فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ مَا آمَنتُم بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوا ﴾ (البقرة: 137)
وقال: ﴿ آمِنُوا كَمَا آمَنَ النَّاسُ ﴾ (البقرة: 13)
وفي الحديث: "أصحابي كالنجوم، بأيهم اقتديتم اهتديتم".
وقال ﷺ عن الفرقة الناجية: "ما أنا عليه وأصحابي" (الترمذي).

مشاجرات الصحابة وموقف أهل السنة -

الخلافات التي وقعت بينهم كانت اجتهادية، قصدهم فيها الحق ورضا الله. والواجب تجاهها:
الإمساك عن الخوض فيها.
وذكرهم بخير.
والدعاء لهم.
قال الإمام الشافعي: "تلك دماء طهَّر الله منها أيدينا، فلنطهّر منها ألسنتنا".
وقال الحسن البصري: "فتنة حضرها أصحاب رسول الله ﷺ وغبنا عنها، فعلمهم أعلم من علمنا".

حكم من سبّ الصحابة -

قال ﷺ: "إذا رأيتم الذين يسبّون أصحابي فقولوا: لعنة الله على شركم" (الترمذي).
وقال أبو زرعة الرازي: "إذا رأيت الرجل ينتقص أحدًا من أصحاب رسول الله ﷺ فاعلم أنه زنديق".
وقال الإمام أحمد: "من سبّ أصحاب النبي ﷺ فشكك في إسلامه".

فالصحابة هم حملة الدين، وأمناء الوحي، ومعيار الإيمان، ولا يبلغ أحدٌ فضلهم. محبتهم من محبة الله ورسوله، وبغضهم من بغض الله ورسوله.

اللهم اجعلنا من المحبين للصحابة، الممسكين عن مشاجراتهم، العاملين بسنتهم، السائرين على آثارهم. آمين.


✍🏻 التحریر: أبو خالد بن ناظر الدين، خريج دار العلوم ديوبند الهند 

8 comments

  1. ماشاء اللہ ۔ جید
  2. مرحبا بكم " جيل النهضة" على نشر هذه المقالة. جزاكم الله خيرا ، ووفقكم من المزيد
  3. ما أحسن مقالة. جزاكم الله ، شكراً جزيلا
  4. رضي الله عنهم ورضوا عنه
  5. وفق الله المزيد
  6. تابع نشر مقالة الأستاذ مواصلة
  7. جزاكم الله خيرا.
    ربنا اغفر لنا و لإخواننا الذين سبقونا بالإيمان
  8. مقالة جيدة التنظيم. زادكم الله شرفا و رفعة
أووپس!!
يبدو أن هناك خطأ ما في اتصالك بالإنترنت. يرجى الاتصال بالإنترنت وبدء التصفح مرة أخرى.
الموافقة على ملفات تعريف الارتباط
نحن نقدم ملفات تعريف الارتباط على هذا الموقع لتحليل حركة المرور وتذكر تفضيلاتك وتحسين تجربتك.