استثمر في نفسك اليوم، واجعل التعلم عادة يومية. ابدأ الآن واجعل العلم رفيقك في رحلة النجاح. تابعنا على تيليجرام!

غزة الجرح المفتوح في ضمير العالم


غزة ليست رقعة جغرافية محاصرة، بل مرآة كاشفة لحقيقة العالم. في كل قذيفة تسقط على بيت، في كل صرخة طفل من تحت الأنقاض، في كل أم تحتضن أشلاء وليدها، ينكشف زيف الشعارات وازدواجية المعايير. غزة اليوم ليست فقط مأساة شعب، بل امتحان لضمير البشرية.
غزة تعيش تحت القصف منذ سنوات، لكن الموت ليس فقط في السماء، الموت أيضًا في الصمت. ذاك الصمت الدولي الذي يشبه التواطؤ، والحياد الذي صار سكينًا في الظهر. غزة لم تعد تسأل متى ينتهي الحصار، بل متى يستفيق العالم من سباته الأخلاقي.
في خضم هذا الجحيم، يولد المعنى. يتعلم الطفل الفلسطيني أن الكرامة أثمن من الحياة، وأن الصمود ليس خيارًا بل فطرة. ترى العيون المضيئة في وجوه المقاومين، في الأطباء الذين لا يغادرون مواقعهم، في الأمهات اللواتي يقدمن أبناءهن قرابين للحرية. غزة، رغم الظلم، تفيض معنى.
أما نحن، فكل صمت منا خيانة. كل تبرير جريمة. ليست القضية أن ننقذ غزة فقط، بل أن ننقذ أنفسنا من السقوط الحر في هاوية التبلد.
غزة لا تحتاج إلى دموعنا فقط، بل إلى يقظتنا. لأن من لم يَعد يتحسس إنسانيته أمام المذبحة، فقد شيئًا لا يعوض.
غزة هي اللحظة التي تختبر فيها أرواحنا: هل ما زلنا بشرًا؟
…ولأن الإنسان لا يحيا فقط بالخبز، بل بالمعنى، فإن غزة — في خضم الموت — تمنح العالم فرصة نادرة للنجاة من التفاهة.
في خنادق الألم، تنبعث أسئلة الوجود الكبرى: ما قيمة الحياة بلا كرامة؟ وما جدوى الحرية إن لم تُنصَف بها المظلومية؟ هل يمكن للإنسان أن يحتفظ بإنسانيته في عالم بات فيه الظالم بطلاً والضحية عبئاً؟
لقد أشار الفيلسوف التشيكي "ياناتش" إلى أن الإنسان لا يُعرف في لحظات الراحة، بل حين يُطلب منه أن يقف في وجه الظلم ولو بكلمة. وهنا، تصبح غزة اختبارًا وجوديًا، لأنها تُجبرنا أن نقرر: هل نحن مع الحياة الكريمة، أم مع حياة يقتلها الجبن واللامبالاة؟
فالفرد الذي لا يتألم لألم البعيد، لا يلبث أن يتبلد أمام ألم القريب. وغزة اليوم، لا تموت وحدها، بل تموت معها ضمائر، وتسقط معها قيم.
غزة ليست فقط ضحية احتلال، بل ضحية خيانة عالمية للمعنى.

د.عائشة مياس

إرسال تعليق

أووپس!!
يبدو أن هناك خطأ ما في اتصالك بالإنترنت. يرجى الاتصال بالإنترنت وبدء التصفح مرة أخرى.
الموافقة على ملفات تعريف الارتباط
نحن نقدم ملفات تعريف الارتباط على هذا الموقع لتحليل حركة المرور وتذكر تفضيلاتك وتحسين تجربتك.