استثمر في نفسك اليوم، واجعل التعلم عادة يومية. ابدأ الآن واجعل العلم رفيقك في رحلة النجاح. تابعنا على تيليجرام!

ادخلوا في السلم كافة : كيف يحارب القرآن "فيروس التجزئة" في الدين والحياة؟


بعد خروج المؤمن من "ورشة الحج" الروحية، يواجهه مباشرة تحدي الحياة الواقعية: هل ستكون حياته كلها امتدادًا لهذه الحالة الإيمانية، أم سيعود إلى الانفصام والتجزئة؟ في هذا المقطع من سورة البقرة، يقدم القرآن "المنهج الحصين" ضد هذا الخطر، ويضعه في آية عمود هي بمثابة "دستور للشمولية"، تدعو إلى الدخول الكلي في منهج الله. هذا المقال هو محاولة لاستكشاف كيف تحارب هذه الآية "فيروس التجزئة"، وكيف تؤسس لـ "نمط تفكر" متكامل يربط بين كل جوانب الحياة.
المحور الأول: الآية العمود: "الدخول الكلي" كعلاج لـ "الانفصام الشخصي"
إن "الآية العمود" في هذا المقطع (الحزب 4، الثمن 1) هي قوله تعالى: ﴿يَٰٓأَيُّهَا اَ۬لذِينَ ءَامَنُواْ اُ۟دْخُلُواْ فِے اِ۬لسَّلْمِ كَآفَّةٗ وَلَا تَتَّبِعُواْ خُطْوَٰتِ اِ۬لشَّيْطَٰنِۖ إِنَّهُۥ لَكُمْ عَدُوّٞ مُّبِينٞۖ﴾ (البقرة 206). وهي تأتي كـ"علاج جماعي" بعد تشخيص "النماذج الفردية" المنفصمة (مَن يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ...) والمتكاملة (مَن يَشْرِي نَفْسَهُ...). وكما حقق الإمام الطبري، فإن "السلم" هنا هو "الإسلام"، و"كافة" تعني الدخول في "العمل بجميع معاني السلم، ولا تضيعوا شيئا منه". إنها ثورة على التدين الانتقائي. والأمر بالدخول للمؤمنين ليس تحصيل حاصل، بل هو كما يوضح الإمام الماتريدي، دعوة لـ "تجديد الإيمان في كل وقت"، والانتقال من إيمان اللسان إلى إيمان القلب.
المحور الثاني: "خطوات الشيطان": منهج التجزئة كعدو مبين
يضع القرآن في مقابل "منهج الدخول الكلي" عدوه المباشر: ﴿وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ﴾. فجوهر المشروع الشيطاني هو "التجزئة". فهو الذي يزين الدنيا لتنفصل عن الآخرة (زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا...)، وهو الذي يشجع على الانفصام بين القول والعمل. وكما يعرفه الطبري، فإن "طريق الشيطان" هو "ما خالف حكم الإسلام وشرائعه". فكل خروج عن الشمولية هو خطوة في طريق الشيطان.
المحور الثالث: "التقوى" كشرط معياري للدخول الكلي
يبدأ المقطع بوضع "المعيار" الحقيقي لقبول العمل، وهو "التقوى"، ليمهد للدعوة إلى الشمولية. فآية ﴿فَمَن تَعَجَّلَ... وَمَن تَأَخَّرَ... لِمَنِ اتَّقَىٰ﴾ تلغي المفاضلة بشكل العمل (عدد الأيام)، وتضع "التقوى" كـ "مربط الفرس" والجوهر الحقيقي. فمن فهم أن التقوى هي المعيار في تفاصيل الحج، سيدرك بالضرورة أن هذه التقوى يجب أن تمتد لتشمل "كافة" جوانب حياته، وهذا هو معنى "الدخول في السلم كافة".
المحور الرابع: "السلم" كمنهج شامل: الأبعاد المتكاملة للآية
إن "السلم" الذي ندعى للدخول فيه "كافة" هو منهج شامل متعدد الأبعاد، كما يكشف ابن عاشور. فهو "سلم سياسي" يقتضي الطاعة للقيادة الراشدة في القرارات المصيرية. وهو "سلم اجتماعي" يقتضي الوحدة الداخلية ونبذ الفرقة. وهو "سلم روحي" يقتضي مسالمة الله تعالى باتباع منهجه بشكل كامل، فالمعصية هي إعلان "حرب" على الله.
الخاتمة: من إسلام الفرد إلى إسلام الجماعة
إن التحدي الأكبر للمؤمن بعد مواسم الطاعات هو مقاومة "فيروس التجزئة". ودعوة القرآن للدخول في "السلم كافة" هي دعوة للانتقال من "الإسلام الفردي" الذي قد يتحقق في الشعائر، إلى "الإسلام الجماعي" الذي يتجسد في منهج حياة شامل. إنه "الميزان القسط" الذي يربط كل تفاصيل عالم الشهادة بالمرجعية العليا في عالم الغيب، ويحول الأفراد الصالحين إلى أمة صالحة.


كتب حسان الحميني،
والله الموفق.

Post a Comment

أووپس!!
يبدو أن هناك خطأ ما في اتصالك بالإنترنت. يرجى الاتصال بالإنترنت وبدء التصفح مرة أخرى.
الموافقة على ملفات تعريف الارتباط
نحن نقدم ملفات تعريف الارتباط على هذا الموقع لتحليل حركة المرور وتذكر تفضيلاتك وتحسين تجربتك.