استثمر في نفسك اليوم، واجعل التعلم عادة يومية. ابدأ الآن واجعل العلم رفيقك في رحلة النجاح. تابعنا على تيليجرام!

قانون الإنفاق : كيف يرى القرآن "العطاء الشامل" شرطًا للبقاء والارتقاء؟


كثيرًا ما يُختزل مفهوم "الإنفاق" في الصدقة المالية، لكن القرآن يقدمه كـ "قانون حياة" شامل ومطلق. وفي هذا المقطع من سورة البقرة (الحزب 3، الثمن 7)، تأتي آية ](وَأَنفِقُواْ فِے سَبِيلِ اِ۬للَّهِ وَلَا تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمُۥٓ إِلَي اَ۬لتَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوٓاْۖ إِنَّ اَ۬للَّهَ يُحِبُّ اُ۬لْمُحْسِنِينَۖ﴾ (194)
 كـ "آية عمود"، لا لتشرع لباب من أبواب الخير، بل لتؤسس لـ "فلسفة العطاء الشامل" التي هي شرط النجاة من "التهلكة" والوصول إلى مرتبة "الإحسان".
هذا المقال هو محاولة لفك شفرة هذا المفهوم المطلق للإنفاق، وكيف أنه "المغزل" الذي ينسج كل أفعال الأمة من قتالها وحجها إلى إدارتها للزمن.
المحور الأول: الآية العمود: "الإنفاق المطلق" كقانون للنجاة من "التهلكة"
إن "الآية العمود" في هذا المقطع هي قوله تعالى: (وَأَنفِقُواْ فِے سَبِيلِ اِ۬للَّهِ وَلَا تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمُۥٓ إِلَي اَ۬لتَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوٓاْۖ إِنَّ اَ۬للَّهَ يُحِبُّ اُ۬لْمُحْسِنِينَۖ﴾ (194)
. والسر يكمن في "إطلاق" فعل الأمر "أنفقوا"، فهو لم يقيد بمفعول به (أنفقوا المال)، ليشمل كل صور العطاء. ويكشف فهم الصحابي الجليل أبي أيوب الأنصاري أن "التهلكة" الحقيقية ليست الموت في المعركة، بل هي "الإمساك عن الإنفاق والجهاد، والإقامة في الأموال". فالإمساك عن العطاء هو الموت الحضاري للأمة.
وهذه التهلكة آية لها جذور باطنية أعمق، كما يوسع الإمام القشيري، فهي "إيثار هواك على رضاه" و*"الغفلة عنه بالاختيار"*، فالانقطاع عن الله هو الهلاك الحقيقي.
المحور الثاني: طبقات الإنفاق الشامل: من المال إلى الروح
إن آيات المقطع كلها تتجلى كتطبيقات لهذا "الإنفاق المطلق". فالقرآن لا يطلب نوعًا واحدًا من الإنفاق، بل يدعونا إلى "بذل" متكامل. وقد لخص الإمام القشيري "سلّم الإنفاق" الذي هو جوهر العطاء الشامل في طبقات مترابطة: "إنفاق الأغنياء من أموالهم، وإنفاق العابدين بنفوسهم... وإنفاق العارفين بقلوبهم... وإنفاق المحبين بأرواحهم". وهذا كله يتم في "وعاء الزمن" الذي أسست له آية الأهلة ﴿هِيَ مَوَاقِيتُ﴾، فإنفاق الزمن بحكمة هو شرط نجاح كل إنفاق آخر.
المحور الثالث: "الإحسان": روح الإنفاق وضابط توازنه
إن الإنفاق المطلوب ليس مجرد "بذل"، بل هو "بذل محسن". فالخاتمة ﴿وَأَحْسِنُوا﴾ هي التي تضع "معيار الجودة" و"الروح" لهذا القانون. فالإحسان، كما يوضح الإمام البيضاوي، يمنع من "تهلكة البخل" و"تهلكة الإسراف" معًا. وهو، كما يفصل الإمام أبو زهرة، "الإتقان والإجادة في العمل"، وهو مبدأ حاكم لكل أعمال الأمة في الحرب (جلاد وجهاد) والسلم (إعداد واستعداد).
إن ذروة الإحسان، كما يرتقي بنا القشيري، هي أن تصل في عطائك إلى مرتبة "أن تعبده وأنت بوصف المشاهدة"، فتصبح كل حركة إنفاق صادرة من قلب حاضر مع الله.
الخاتمة: من ثقافة الأخذ إلى ثقافة العطاء المحسن
إن "الإنفاق" في القرآن هو "ثقافة عطاء" شاملة، لا مجرد حكم مالي. إن بقاء الأمة وارتقاءها مرهون بمدى تبنيها لهذه الثقافة. فالأمة التي يتوقف أفرادها عن "إنفاق" أفضل ما لديهم (من مال ووقت وجهد ونفس) بإحسان في سبيل الله، هي أمة حكمت على نفسها بـ "التهلكة". والجائزة الأسمى للمنفقين المحسنين هي الفوز بـ ﴿إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ﴾.



كتب حسان الحميني،
والله الموفق.

Post a Comment

أووپس!!
يبدو أن هناك خطأ ما في اتصالك بالإنترنت. يرجى الاتصال بالإنترنت وبدء التصفح مرة أخرى.
الموافقة على ملفات تعريف الارتباط
نحن نقدم ملفات تعريف الارتباط على هذا الموقع لتحليل حركة المرور وتذكر تفضيلاتك وتحسين تجربتك.