منذ عقودٍ قد خلت، تتعامل إسرائيل مع القوانين والمعاهدات الدولية بانتقائية دبلوماسية واضحة، بل يُمكن القول إنها تضرب بها عرض الحائط كلما تعارضت مع مصالحها الأمنية والسياسية أو الاقتصادية، فمن الاستيطان غير المشروع في الأراضي الفلسطينية، إلى الاعتداءات العسكرية المتكررة على دول الجوار وآخرها العاصمة القطرية الدوحة، وصولًا إلى استهداف قادة سياسيين في لبنان وسورية والعراق وإيران، ومصدر هذا النمط الثابت من السلوك الإسرائيلي، المعتمد على ضمان الإفلات من العقاب، هو غياب أي آلية رادعة أو جبهة إقليمية موحدة.
إنَّ هذه الانتهاكات لا تمثّل فقط تهديدًا لسيادة دول المنطقة فحسب؛ بل تكرّس واقعًا من الهيمنة الأُحادية عليها!! حيث تسعى إسرائيل إلى فرض معادلة أمنية جديدة، مفادها أنها اللاعب الإقليمي الأقوى في الشرق الأوسط الذي يملك اليد الطولى لتهديد الأمن والاستقرار العالميين دون منازع.
تعتمد إسرائيل على مظلّة الدعم الغربي -خصوصًا الأميركي- لتبرير أفعالها العِدائية أو تمريرها تحت ذرائع "حفظ الأمن القومي" و "مكافحة الإرهاب"، لكن خلف كل هذه الخطابات تكمن حقيقة أخرى!! مشروع إسرائيل الكبرى وهو مشروع توسّعي يسعى لتكريس تفوق نوعي في القوة العسكرية والاستخباراتية، بما يسمح لها بفرض إرادتها الإقليمية، وهذا ما يفسّر استهدافها الممنهج لقيادات سياسية ومقاومة، ومحاولاتها المستمرة لإضعاف أي قوة إقليمية قد تهدّد تفرّدها ولا سيما سورية الجديدة.
بالنسبة لهذا الواقع المفروض على الجميع، تبدو الحاجة ملحّة جدًا لإنشاء قوة عربية عسكرية مشتركة، تكون قادرة على مواجهة الاعتداءات الإسرائيلية وردعها -بعيدًا عن جامعة الدول العربية- وهذه القوة لا يجب أن تكون مجرد شعارات شجب وندب فقط؛ بل مشروع عملي يتأسس على إطار دفاعي موحّد، يهدف إلى إنشاء قوة عسكرية عربية مشتركة بمرجعية سياسية، أو إطار إقليمي جديد أكثر فعّالية، مع وجود تكامل أمني واستخباراتي، من خلال بناء شبكة تعاون استخباراتي عربية لمواجهة الاختراقات الإسرائيلية -التي غالبًا ما تستهدف الانقسامات الداخلية-.
كما أنه من الضرورة توازن الردع، ويكمن في الاستثمار في القدرات الدفاعية النوعية، مثل: (الدفاعات الجوية، الحرب السيبرانية وتكنولوجيا الاتصالات) بما يخلق معادلة ردع متبادلة وأكثر توازنًا مع إسرائيل.
المسار الدبلوماسي والسياسي:
إلى جانب البُعد العسكري، يجب تفعيل أدوات الضغط الدبلوماسي والسياسي على إسرائيل عبر الشرعية الدولية، من خلال إعادة تفعيل قرارات الأمم المتحدة ومجلس الأمن ذات الصلة، والعمل على حشد موقف دولي يدين الاعتداءات المتكرّرة، وكذلك التحالفات المتعدّدة، ويكمن في الانفتاح على قوى عالمية صاعدة، مثل: المعسكر الشرقي المتمثّل في الصين وروسيا، لتعزيز الموقف العربي في مواجهة الانحياز الأميركي لإسرائيل، أو قوى إقليمية مثل: تركية وباكستان.
قد يكون استخدام أوراق الضغط الاقتصادية والتجارية، سواء عبر أسواق النفط أو عبر أدوات المقاطعة، لإظهار أن استمرار الاعتداءات لن يمر دون كلفة ورقة ضغط سياسية قوية، بالإضافة إلى القوة الناعمة، من توظيف الإعلام، اللوبيات العربية في الغرب والمؤسسات الحقوقية الدولية لكشف الانتهاكات الإسرائيلية والتأثير على الرأي العام العالمي الملتهب في الآونة الأخيرة.
وأخيرًا.. إنَّ تجاهل إسرائيل المستمر لجميع القوانين والمعاهدات الدولية والأعراف الدبلوماسيـــــــة ليس مجرد انحراف عابر كما يعتقد البعض؛ بل هو جزء من عقيدتها السياسية والأمنية، لذلك، فإنَّ مواجهة هذه الاعتداءات العسكرية المتكرّرة؛ تتطلب رؤية عربية استراتيجيـــة واضحة، تقوم على ركيزتين أساسيتن:
بناء قوة ردع عربية عسكرية مشتركة، وتفعيل ضغط دبلوماسي وسياسي متعدد المسارات، وعندها فقط يمكن فرض معادلة متوازنة تكبح جِماح التمدّد الإسرائيلي والعربدة على سيادة الدول العربية، وتعيد للقانون الدولي اعتباره في المنطقة.
10 أيلول/سبتمبر 2025
✍🏻 الأغيد