إنّ من صدق في حبِّه لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم علم يقيناً أنّ النجاة لا تكون إلا في طاعة الله، والفوز لا يتحقق إلا في امتثال أوامر المصطفى وهديه، وأنّ الإعراض عن ذلك سببٌ للهلاك في الدنيا والآخرة، وحرمانٌ من لذّة الطاعة وسكينة الإيمان. ولا ريب أنّ الغناء والموسيقى من أعظم ما يُفسد القلوب، ويُبعد النفوس عن ذكر علّام الغيوب، فهو متعةٌ مسمومة، ولذّةٌ موهومة، تشبه لذّة الأجرب بخدش جلده، يجد فيها لحظةَ سرور، ثم لا يلبث أن تعود عليه بالوبال والشرور.
وقد أجمع العلماء على أنّ هذا البلاء مركّب من أمرين اثنين: أصوات المعازف وآلات اللهو من جهة، وكلماتٍ فاحشةٍ ماجنة تثير الغرائز وتدعو إلى الرذائل من جهة أخرى. فإن اجتمع الأمران، كان الإثم أشدّ وأعظم، وإن وُجد أحدهما، لم يخلُ السامع من الوزر والحرام. ولهذا كان الاستماع إلى الأناشيد والمدائح إذا امتزجت بالموسيقى والمعازف باطلاً مردوداً، إذ لا يمتزج النور بالظلام، ولا يختلط الحق بالباطل.
وقد جاء في السنّة المطهّرة بيان ذلك صريحاً، فعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أنّه سمع مزماراً في طريق، فوضع أصابعه في أذنيه، وعدل عن الطريق، وقال: هكذا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعل. فدلّ ذلك على شدّة النهي عن سماع أصوات الملاهي، وأنّها مما ينبغي للمسلم أن يغلق سمعه عنه ويعرض بقلبه ووجهه منه.
وللغناء آثارٌ سيّئة لا تخفى على ذي عقلٍ وبصيرة؛ فهو يُنبت النفاق في القلب كما ينبت الماء البقل، كما أخبر الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم، ويجلب البلايا والشدائد على الأمم إذا شاع في مجتمعاتهم وانتشر في ديارهم، ويشيع الفاحشة، ويُميت الغيرة، ويُفسد أخلاق الناشئة، ويجعل الأبناء عُصاةً لآبائهم وأمّهاتهم، ويورث الغفلة عن ذكر الله، والقسوة في القلوب، والقلق والاضطراب وفقدان الطمأنينة، ويُذهب الإحساس بالمسؤولية، ويطلق الألسنة بالفحش والبذاءة. وقد دلّت الدراسات الحديثة على أنّ كثيراً من حوادث الانتحار في بلاد الغرب كانت تحت تأثير الغناء والموسيقى، وذلك برهان على ما فيهما من السُّمِّ الدفين، والشرّ المبين.
فما على العاقل الراغب في السلامة إلا أن يُبايع قلبه على التوبة الصادقة، ويرجع إلى مولاه بالدموع والإنابة، ويقول بلسان الحال والمقال: اللهم اصرف عنّي هذا البلاء، واملأ قلبي ببغضه، ولا تتركني في شَرَكه، ولا تحرمني لذّة طاعتك وحلاوة مناجاتك. وليجعل لسانه رطباً بذكر الله كلما سمع أصوات الملاهي، وليفرّ من مجالس اللهو كما يفرّ من المجذوم، وليغيّر نغمات الهواتف بما يوافق رضا الرحمن، وليدعُ بالدعاء المأثور: «اللَّهُمَّ إِنِّي أعوذُ بكَ من مُنكراتِ الأخلاقِ والأعمالِ والأهواء».
وإنّ السعادة الحقّة، والسكينة الدائمة، والطمأنينة الراسخة، ليست في أصواتٍ باطلة، ولا في نغماتٍ ماجنة، وإنما هي في تلاوة القرآن، وفي ذكر الرحمن، وفي اتّباع سيّد ولد عدنان صلى الله عليه وسلم. فليعاهد كل واحدٍ منّا ربّه أن يطهّر سمعه من الباطل، وأن يغرس في قلبه محبة الذكر والطاعة، عسى أن يحفظنا الله من الفتن، ويجعلنا من أهل القرآن، ويختم لنا بخاتمة السعادة والإيمان.
ابو خالد بن ناظر الدین، خریج دار العلوم دیوبند الھند