استثمر في نفسك اليوم، واجعل التعلم عادة يومية. ابدأ الآن واجعل العلم رفيقك في رحلة النجاح. تابعنا على تيليجرام!

بين يقظة الشعوب الأوروبية وسبات الشعوب العربية: مقارنة في الموقف، الأسباب، والنتائج


حين تهب رياح التغيير أو تقع الأزمات الكبرى، سرعان ما تتباين مواقف الشعوب، ويظهر الفارق جليًا بين من يمتلك الوعي والقدرة على الفعل، ومن يعاني من شلل الإرادة وفقدان البوصلة. المثال الأبرز نجده في مواقف الشعوب الأوروبية، حيث تخرج الملايين للميادين دفاعًا عن حقوق، أو رفضًا لقرارات سياسية، أو تضامنًا مع قضايا إنسانية خارج حدودهم. مقابل هذا، نرى الشعوب العربية في حالة سكون أو رد فعل محدود، حتى أمام تهديدات تمس حاضرها ومستقبلها.

رغم أن مشاهد القصف والمجازر في غزة تلهب مشاعر كل إنسان حي، فإن التفاعل الشعبي العربي، ورغم حيويته في بعض المناطق، يبدو باهتًا أو محدودًا في أماكن أخرى.
إن من أهم الأسباب لذلك التراجع هو الواقع الاقتصادي المتدهور الذي تعاني منه معظم الشعوب العربية.
في كثير من الدول العربية، يرزح المواطن تحت وطأة الفقر، البطالة، وارتفاع الأسعار، وسط أنظمة لا توفر له الحد الأدنى من الأمان الاجتماعي أو الاقتصادي. هذا الضغط المستمر يحوّل معظم الجهود والطاقات إلى النجاة الفردية، وتوفير الضروريات، ويجعل همّ الأمة يُختزل في لقمة العيش. ومع الغياب شبه التام لمؤسسات تُشرك المواطن في القرار السياسي أو تُمكّنه من التعبير الحر، يشعر كثيرون بالعجز و اللاجدوى من أي تحرك.

أما الشعوب الأوروبية، ورغم بعدها الجغرافي، فهي تتمتع نسبيًا بأمان اقتصادي، وبدولة تُوفّر الرعاية الصحية والتعليم والضمان الاجتماعي. هذا الاستقرار يُحرر مشاعر الإنسان ويدفعه للمبادرة والتفاعل مع قضايا إنسانية حتى خارج حدوده.
الفرق ليس في مدى الإنسانية، بل في المساحة المتاحة لكل شعب ليُمارس إنسانيته. الشعوب العربية ليست أقل إنصافًا أو إحساسًا، لكنها مثقلة بقيود الحياة، وأُنهكت تحت أنظمة تمنع صوتها، فاختنق صوتها في الحناجر، وتراكمت أحزانها داخل حدودها.

إضافة لما سبق ذكره يمكن سرد أهم أسباب الفارق في الموقف كالتالي:

1. التربية السياسية والوعي المدني:  
   الأوروبي يتربى على أن صوته مؤثر، وأن له الحق – بل الواجب – أن يراقب ويحاسب. أما المواطن العربي غالبًا ما نشأ في بيئة تقمع السؤال، وتخشى المواجهة.

2. حرية التعبير ووجود مؤسسات قوية:  
   الشعوب الأوروبية تستند إلى دساتير ضامنة ومؤسسات فاعلة، أما في العالم العربي، فغالبًا ما تكون المؤسسات شكلية، والإعلام خاضع للسلطة.

3. الإرث التاريخي:  
   أوروبا مرت بتجارب قاسية من الاستبداد والحروب، لكنها خرجت منها بتجربة ديمقراطية ناضجة. أما الدول العربية، فكثير منها لم يُمنح فرصة التشكل السياسي الحر، وظل حبيس التبعية أو الديكتاتورية.

4. التدين الساكن مقابل الإيمان الحي:
كثير من الشعوب العربية لجأت إلى تدين فردي منزوع من البعد الاجتماعي والأخلاقي العام، بينما في أوروبا، حتى غير المتدينين يملكون إحساسًا عاليًا بالعدالة والكرامة الإنسانية.

النتائج

  • - في أوروبا: المواقف الجماعية تصنع تغييرًا حقيقيًا، تُسقط قرارات، وتُحدث ضغطًا يحسب له السياسيون ألف حساب.
  • - في العالم العربي: الصمت يولد الاستبداد، والتردد يكرّس الفساد، واللامبالاة تُمكّن الأعداء من التدخل في المصير.
الفرق لا يكمن في الجينات أو الثقافات فقط، بل في الإيمان بأن الشعوب هي مصدر الشرعية، وأن الكرامة لا تُمنح بل تُنتزع. إن النهضة لا تبدأ من قصر الحاكم، بل من وعي الشارع، من كل عقل يؤمن بأن التغيير حق وواجب.


د.عائشة مياس

Post a Comment

أووپس!!
يبدو أن هناك خطأ ما في اتصالك بالإنترنت. يرجى الاتصال بالإنترنت وبدء التصفح مرة أخرى.
الموافقة على ملفات تعريف الارتباط
نحن نقدم ملفات تعريف الارتباط على هذا الموقع لتحليل حركة المرور وتذكر تفضيلاتك وتحسين تجربتك.