استثمر في نفسك اليوم، واجعل التعلم عادة يومية. ابدأ الآن واجعل العلم رفيقك في رحلة النجاح. تابعنا على تيليجرام!

سورية بين إسرائيل وتركية: احتمالية صراع إقليمي


تُعد سورية بحكم موقعها الجيوسياسي؛ قلب المشرق العربي ومفترق طرق بين آسيا وأوروبا وإفريقية، إضافةً إلى كونها البوابة الشمالية لفلسطين التاريخية والجنوبية لتركية، كما تطل على المتوسط وتُشرف على عقدة إمدادات الطاقة وخطوط التجارة، والمعطيات الجيوسياسية؛ جعلت من سورية -تاريخيًا- مركزًا لصراع دولي وإقليمي مستمر، كما أن استمرار حالة عدم الاستقرار السياسي في البنية الداخلية السورية؛ فتح شهية بعض القوى الكبرى لمحاولة ملء الفراغ الاستراتيجي أو استثماره بطريقةٍ ما.

في هذا السياق، يبرز سيناريو محتمل لصراع "غير مباشر" أو حتى مواجهة مفتوحة بين إسرائيل وتركية على الأرض السورية، لا سيما مع تعارض أجنداتهما الأمنية والسياسية، ومع سعي كل طرف لتوسيع نفوذه عبر سورية بما يخدم مصالحه بعيدة المدى.

أين تكمن دوافع إسرائيل الاستراتيجية في هذه المنطقة!؟ 
من المنظور الإسرائيلي، تمثّل سورية عُمقًا استراتيجيًا حساسًا، وعلى رأسها الأمن القومي الإسرائيلي!! إن وصول جهة إسلامية ذات خلفية جهادية للحكم في سورية؛ يشكل تهديدًا مباشرًا لهم، ما يدفع إسرائيل إلى تنفيذ ضربات جوية متكرّرة لعرقلة تثبيت نفوذهم في دمشــــق. وكذلك المياه والجغرافيا السورية.. فالجولان المحتل ليس مجرد قطعة أرض فحسب؛ بل مصدر مياه وموقع عسكري استراتيجي لإحكام السيطرة على دمشق وعموم بلاد الشام الطبيعية، كما أنَّ إسرائيل تسعى لإبقاء سورية ضعيفة ومجزأة بما يحول دون عودتها كفاعل إقليمي أو دولي قادر على تهديد أمنها القومي.

أما عن دوافع تركية الاستراتيجية.. فتركية تنظر إلى سورية كامتداد حيوي لأمنها القومي كذلك، وأنقرة ترى في أي كيان كردي على حدودها تهديدًا وجوديًا، ما يجعلها حاضرة عسكريًا في شمال شرق سورية، كما أن السيطرة على شمال سورية؛ منح تركية عمقًا استراتيجيًا وأتاح لها التأثير على طرق الطاقة نحو المتوسط، وبالطبع، تركية تسعى لإعادة صياغة دورها كلاعب أساسي وإقليمي في المشرق، وسورية هي بوابتها الطبيعية.
وعليه، فإنَّ أي توسّع عسكري تركي نحو العمق السوري؛ قد يتقاطع مع الغارات الإسرائيلية المتكرّرة، لأنها لا تقبل بتفرّد إسرائيل بالهيمنة على سورية!! 

يرى العديد من السياسيين المطلعين على أنه توجد عدة سيناريوهات محتملة بين تل أبيب وأنقرة، وربما يكون على شكل صدام غير مباشر، عبر الوكلاء المحليين، ولا سيما الجنوب السوري (الدروز) الذين تدعمهم إسرائيل، وتدعم مشروعهم الانفصالي لتحقيق نفوذها، وربما يكون عن طريق مواجهة محدودة، من خلال ضربات جوية متبادلة -بالوكالة- أو عبر اعتراضات جوية في الأجواء السورية، والسيناريو الثالث هو اتفاق ضمني على تقاسم النفوذ، بحيث تُبقي كل دولة خطوطها الحمراء دون تجاوز، وهذا ما استبعده العديد من المحللين السياسيين. 

لا بد من تداعيات كبرى على دول الإقليم والعالم بشكل أجمع إذا توسعت دائرة الصراع بين الطرفين، فطهران قد تستفيد من تناقض إسرائيل وتركية لتعزيز وجودها في دمشــــق مرةً أخرى، أو تصبح هي الطرف الأكثر استهدافًا إذا اتحد خصومها ضدها، أما بغداد ستجد نفسها في وضع هش، حيث قد تتحول أراضيها إلى ممر إمداد أو ساحة لتبادل الرسائل بين الأطراف المتصارعة، وكذلك حزب الله اللبناني سيكون جزءًا أساسيًا من أي معادلة، مما يرفع احتمالات انجرار لبنان إلى ساحة المواجهة الإقليمية في حال لم تتحقق عملية نزع السلاح بالقوة من الحزب، أما عن موقع عمّان الجغرافي يجعله عرضةً لاضطرابات سياسية وأمنية وتدفقات لاجئين جدد في حال توسّع النزاع.
بالنسبة لدول الخليج، ستحاول استثمار الوضع عبر التحالف مع تركية أو إسرائيل -بحسب المصالح- لكنها بالطبع  ستخشى من تداعيات عدم الاستقرار على أسواق الطاقة في البحرين المتوسط والأحمر.

الفاعل الدولي مثل موسكو وواشنطن؛ كلاهما سيسعى لتوظيف أيّ صراع بين إسرائيل وتركية لتعزيز نفوذه، حيث قد تدعم موسكو أنقرة بشكل غير مباشر، بينما -بكل تأكيد- واشنطن لحماية إسرائيل.

يُظهر تحليل السيناريو أنَّ أيّ مواجهة إسرائيلية–تركية مرتقبة في سورية؛ ستكون أخطر من مجرد صراع محلي صغير، لأنها ستعيد رسم موازين القوى في المشرق وشرق المتوسط والعالم أجمع!! 
لذلك إنَّ خطورة هذا الصراع تكمن في أنه لن يكون ثنائيًا فحسب؛ بل ستنخرط فيه قوى إقليمية ودولية كبرى بشكل مباشر أو غير مباشر، ما يحول سورية مجددًا إلى ساحة حرب بالوكالة.

وأخيرًا.. إنَّ احتمالية مواجهة بين إسرائيل وتركية في سورية ليست مجرد تكهّنات نظرية؛ بل سيناريو واقعي تدفع إليه التناقضات الجيوسياسية والأمنية في المنطقة، وتداعيات هذا الصراع لن تقتصر على دمشــــق وأنقرة وتل أبيب؛ بل ستشمل الإقليم، من العراق ولبنان إلى الخليج والأردن، لذلك فإنَّ مستقبل سورية سيظل محددًا لمعادلات الأمن الإقليمي، وأيّ انزلاق نحو مواجهة إسرائيلية–تركية سيعني فتح فصل جديد من الصراع يعيد ترتيب الأوراق في المشرق لعقود جديدة قادمة.


3 أيلول/ سبتمبر
✍🏻 الأغيد

Post a Comment

أووپس!!
يبدو أن هناك خطأ ما في اتصالك بالإنترنت. يرجى الاتصال بالإنترنت وبدء التصفح مرة أخرى.
الموافقة على ملفات تعريف الارتباط
نحن نقدم ملفات تعريف الارتباط على هذا الموقع لتحليل حركة المرور وتذكر تفضيلاتك وتحسين تجربتك.