استثمر في نفسك اليوم، واجعل التعلم عادة يومية. ابدأ الآن واجعل العلم رفيقك في رحلة النجاح. تابعنا على تيليجرام!

هنالك دعا زكريا: كيف نصنع "الأمل" من رحم "المستحيل"؟ (تدبر في الثمن الأول من الحزب السادس بسورة آل عمران)


في سياق تأسيس هوية "الأمة المصطفاة"، يأخذنا القرآن في رحلة عبر تاريخ "النقاء" الإنساني، لا ليقص علينا أحداث الماضي، بل ليعلمنا "منهج صناعة الأمل" في مواجهة الواقع المستحيل. إن قصة زكريا عليه السلام، بقلبها النابض ﴿هُنَالِكَ دَعَا...﴾، ليست مجرد حكاية عن معجزة، بل هي "ورشة عمل" متكاملة في "التفكر الجانبي" و"التقاط الفرص الإيمانية". هذا المقال هو محاولة لاستكشاف كيف أن هذه الآية هي "الآية العمود" التي تحول "اليقين المشاهد" إلى "دعاء لاهب"، وكيف أنها تحررنا من "سجن المألوف".

الآية العمود : "لحظة الانطلاق" من المشاهدة إلى التطبيق،

إن "الآية العمود" في هذا المقطع هي ﴿﴿هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّآءُ رَبَّهُۥۖ قَالَ رَبِّ هَبْ لِے مِن لَّدُنكَ ذُرِّيَّةٗ طَيِّبَةً اِنَّكَ سَمِيعُ اُ۬لدُّعَآءِۖ﴾ (آل عمران :38). فهي ليست آية منعزلة، هي مفصل الحركة الذي يحمل ضمنيًا "مشاهدة رزق مريم" كبرهان، ويتحول إلى "دعاء لاهب" كتطبيق. فكلمة "هنالك" ليست مجرد ظرف، هي صاعق التفجير الذي يلخص لحظة التقاط "الصورة الحارة" للتجربة الإيمانية بكل أبعادها. إنها منهجية أهل النفوس الزكية، فكما يقول الإمام ابن عاشور: "والحكمةُ ضالة المؤمن، وأهلُ النفوس الزكية يعتبرون بما يرون ويسمعون".

 "التفكر الجانبي" كأداة للتحرر من "سجن المألوف"

إن ما فعله زكريا هو "تفكر جانبي" حقيقي، حرره من سجن المألوف وقوانين المادة الصارمة. لقد "تحدى" مسلمة الإنجاب بالأسباب المعروفة، وقام بـ "قفزة جانبية" مبنية على القياس الإيماني. وكما يوضح الإمام البيضاوي، فإنه "لما رأى الفواكه في غير أوانها انتبه على جواز ولادة العاقر من الشيخ". إن هذه القصص القرآنية تحررنا من سجن العادة، لتتوسع رؤية التالي للقرآن، فينتبه إلى ما وراء المألوف.

 "فقه الدعاء" في مواجهة المستحيل

إن دعاء زكريا ليس مجرد طلب، هو مدرسة في "فقه" و"أدب" الدعاء. فدعاؤه لم يكن اعتداءً، بل كان مخولاً له، كما يقول ابن عاشور، لأن "مشاهدةُ خوارق العادات خوّلت لزكرياء الدعاء بما هو من الخوارق". ويتجلى فيه قمة التوحيد حين يقر بإرجاع الأسباب إلى الله بقوله مِن لَّدُنكَ. وهذا الدعاء لم ينبع من فراغ، بل حركته، كما يصف سيد قطب، "تلك الرغبة الفطرية القوية في النفس البشرية... الرغبة في الذرية"، مما يعلمنا أن الدين يهذب الفطرة لا يلغيها.

"الاصطفاء" و"القبول" كاستجابة إلهية للفعل البشري

المقطع كله محكوم بـ"فعل الاصطفاء" الإلهي: ﴿إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَىٰ...﴾. وقصة امرأة عمران تعلمنا "الميزان" بين "الفعل البشري" (إِنِّي نَذَرْتُ) و"الفعل الإلهي" (فَتَقَبَّلَهَا... بِقَبُولٍ حَسَنٍ). فنحن نبذل الأسباب ونخلص النية، والله يتقبل ويصطفي ويبارك. إن هذا الاصطفاء ليس تشريفًا بلا تكليف، بل هو إعداد لأفراد وأسر تكون "خميرة الصلاح" في الأمة، كما تجلى في "آل عمران" الذين كانوا مقدمة لظهور عيسى عليه السلام.

الخاتمة: البحث عن "هنالك" الخاصة بك

إن هذا المقطع هو دعوة لكل "ناهض" يواجه واقعًا يبدو مستحيلاً. إنه يدعوه ليمارس "التفكر الجانبي"، وأن يبحث عن "الآيات الصغيرة" و"لحظات الفيض الإلهي" في حياته، ليحولها إلى "دعاء لاهب" وحركة دؤوبة، واثقًا بأن من يرزق بغير حساب، هو قادر على أن يهب بغير أسباب معروفة.

كتب حسان الحميني،
والله الموفق.

Post a Comment

أووپس!!
يبدو أن هناك خطأ ما في اتصالك بالإنترنت. يرجى الاتصال بالإنترنت وبدء التصفح مرة أخرى.
الموافقة على ملفات تعريف الارتباط
نحن نقدم ملفات تعريف الارتباط على هذا الموقع لتحليل حركة المرور وتذكر تفضيلاتك وتحسين تجربتك.