استثمر في نفسك اليوم، واجعل التعلم عادة يومية. ابدأ الآن واجعل العلم رفيقك في رحلة النجاح. تابعنا على تيليجرام!

تطورُ أُورُبّا... ثَمَرَةٌ مِنْ ثِمَارِ الإِسْلَام



                بعث اللهُ تعالى نبيَّه محمداً صلى الله عليه وسلم خاتمَ الأنبياء والمرسلين، وجعل بمبعثه شريعته الخاتمة دستورَ حياةٍ عالميًّا خالدًا لا يختصُّ بزمنٍ ولا بمكان، بل هو منهجٌ شاملٌ لكلّ البشر في كلّ عصرٍ ومصرٍ.
                وقد أودع الله تعالى في هذا الدين العظيم خَصْلَتَين أساسيتين، هما:
التوسّط والعدل،
واليُسر والسماحة.
                   وهاتان الخَصْلتان هما اللتان جعلتا الإسلام صالحًا للتطبيق في كلّ زمانٍ ومكان، كما جعلتاه رحمةً وهدايةً للبشرية جمعاء.
                   وما كانت هذه الآفاقية في الإسلام إلا سببًا لظهور أعداءٍ له من أهل الكتاب والمغضوب عليهم والضالين، لا سيّما اليهود والنصارى الذين وإن اختلفوا مذهبًا فقد اتّحدوا في عداوة الإسلام ومناهضته، لا لأنهم شكّوا في حقيقته، بل لأنهم أيقنوا بما فيه من قوّةٍ معنويةٍ وجاذبيةٍ ربّانيةٍ تأسر القلوب، وتطهّر الفكر والعمل من الدنس والانحراف.
               يقول أحد أساتذننا الكبار في بيانٍ بديعٍ لهذه الحقيقة: «في الحقيقة، ليس خوفُ أُورُبّا من الإسلام نابعًا من مجرّدِ شعائرِه أو عباداته، بل من تعاليمِه المؤثّرة، ومن طاقته التسخيرية، ومن قوّته على كسب القلوب. لقد اطّلع الغربُ من خلال دراسته للتاريخ على صلابةِ المسلمين في التمسّك بالقرآن والسنة، وعلى شدّةِ حبِّهم لله ورسوله، وعلى ثقتِهم المطلقةِ في تعاليمِ دينهم، وعلى استعدادهم لبذل النفس والمال والعِرض في سبيله، وأنهم لا يقبلون في صيانة الإسلام أيَّ مساومةٍ أو تنازل.».
         هيمنةُ الغربِ على العالم الإسلامي: الأسبابُ والنتائج-
           على الرغم من تقدّمهم المادّي الظاهر، فإنّ أهلَ الغرب يستخدمون اليوم ضدّ الإسلام سلاحين خطيرين:
المال،
والإعلام.
              وهما الوسيلتان اللتان يسعيان من خلالهما لتشويه صورة الإسلام والطعن في أهله، مع أنّ هذا الغرب نفسه لم يكن يومًا يعرفُ معنى الحضارة أو العلم أو النظام إلا بفضل الإسلام ومسلميه.
             ويقول آخر في وصف حال أُورُبّا قبل أن يشرق عليها نور الإسلام:
«انظر إلى ماضي أُورُبّا، هل تصدّق ما ترى؟ تلك القارّة التي لم يكن فيها من يعرف الكتابة والقراءة إلا أفرادٌ معدودون، وكانت مدائنها الكبرى أحقرَ من القرى، لا علمَ فيها ولا فنّ، ولا صناعة ولا حضارة، ولا تجارة ولا نظام. كانت أُورُبّا في غاية الانحطاط في كلّ ميدانٍ ماديٍّ وأدبيٍّ وثقافيٍّ وصناعيٍّ وتجاريٍّ. لم يكن فيها سوى مكتبةٍ واحدةٍ صغيرة، بل خزانةٍ فيها رفٌّ واحدٌ، عليه كتابٌ واحدٌ، ليس بالإنجليزية ولا باللاتينية، بل بالعربية، وليس لمؤلفٍ نصرانيٍّ بل لمسلمٍ! وفي ذلك العصر كان الجراحون في أُورُبّا يُجرون العمليات في الهواء الطلق، لا في غرفٍ معقّمةٍ ولا تحت إشراف فرقٍ طبيةٍ أو أجهزةٍ دقيقة، بل بالفأس كما يفعل الحطّابون! ولولا مذكّراتُ أسامة بن منقذ – سفيرِ السلطان صلاح الدين الأيوبي – لما صدّقنا أنّ أُورُبّا لم تولد مع الآلات، ولم تنشأ في أحضان التطوّر!».
(من كتاب: عالم الإسلام على تسلّط الغرب: الأسباب والنتائج)

                كانت أُورُبّا في تلك العصور المظلمة تعتمد اعتمادًا كليًّا على العلماء المسلمين، الذين نقلوا إليها العلومَ والمعارف، وورّثوها ثمارَ بحوثهم واكتشافاتهم. فبفضلهم وُضِعت الأسس التي قامت عليها حضارةُ الغرب الحديثة.
           وقد صرّحت المستشرقة الألمانية الدكتورة زيغريد هونكه في كتابها «شمس الإسلام تسطع على الغرب» بهذا المعنى، فقالت: «قبل ستّ قرونٍ لم تكن في أُورُبّا كلّها سوى مكتبةٍ صغيرة في كلية الطبّ بباريس، فيها كتابٌ واحدٌ فقط، لمؤلفٍ عربيٍّ، وكان هذا الكتاب من أعزّ ما يملكه الغرب، حتى إنّ الملك لويس الحادي عشر اضطرّ إلى دفع مبلغٍ ضخمٍ ليُعيروه الكتاب أيّامًا، ليتمكّن أطباؤه من نسخه، والرجوع إليه حين يُصاب الملك بمرض! وكان هذا الكتاب موسوعةً طبيةً عظيمةً جمعت كلَّ العلومِ اليونانية حتى سنة ٩٢١م».
           وتضيف قائلةً: «إنّ الرازي قد ألّف في الطبّ كتابًا جليلًا تناول فيه أمراض النقرس والحصى والمثانة والكِلى وأمراض الأطفال، وقد طُبِع هذا الكتاب في أُورُبّا بين عامي (١٨٦٦م – ١٩٩٨م) أكثر من أربعين مرة، وكان مرجعًا لا غنى عنه في ميادين الطبّ».
       ثم تقول الكلمةَ الحاسمة:
«ولو قلنا إنّ أُورُبّا اعتمدت اعتمادًا كاملًا على مؤلفات العرب ومكتشفاتهم مدةَ ثلاثة قرون، لما كان في ذلك ما يُدهش».
(من كتاب: عالم الإسلام على تسلّط الغرب: الأسباب والنتائج)

             تلك الحقائق تشهد بأنّ قوّةَ الغرب الحقيقية وثمراتَ نهضته مدينةٌ للإسلام والمسلمين. لكنّ المؤسف أن الغرب اليوم يجعل من الإسلام العدوَّ الأوّل له، لا خوفًا من سيفه، بل من عدله وتوازنه، ومن تأثير تعاليمه، ومن تضحيات أبنائه الذين يهبون أرواحهم دون دينهم.
                إنّ واجبَ المسلمين اليوم أن يتذكّروا تاريخهم المجيد، ويعتزّوا بتراثهم العلمي، ويقدّموا للعالم صورة الإسلام الحقّ عمليًّا وسلوكيًّا. فإذا جدّدنا صلتنا بالقرآن والسنّة، ورفعنا راية الرسالة العالمية الخالدة، سقطت دعايات الغرب وافتراءاته من تلقاء نفسها، وزال خوفهم كما يزول الليل عند إشراق الصبح.
جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا.


✍🏻 ابو خالد بن ناظر الدین القاسمی 

Post a Comment

أووپس!!
يبدو أن هناك خطأ ما في اتصالك بالإنترنت. يرجى الاتصال بالإنترنت وبدء التصفح مرة أخرى.
الموافقة على ملفات تعريف الارتباط
نحن نقدم ملفات تعريف الارتباط على هذا الموقع لتحليل حركة المرور وتذكر تفضيلاتك وتحسين تجربتك.