كلما تأملت بعمق هذا الإنسان، ينتابني الغبن.
مخلوق يمتلك هذا القدر من الوعي بالذات، والقدرة على التوازن بين غرائز الجسد ونور الروح، كيف يرضى لنفسه هذا الانحطاط والتسفّل؟
المعطيات واحدة، لكن النتائج متناقضة: بين ظلماتٍ ونور، إصلاحٍ وإفساد، علوٍّ وسُفول.
الكون كتابٌ للتأمل، والأرضُ مكانٌ للأثر، والأيام أقلامٌ تسطّر فيها ما تشاء كما تريد.
إنها الأنا؛ حين تنضبط، تُقيم العدل وتحرّر الإنسان، وحين تطغى تُفسد وتُنتج العفن.
كل ما نراه من طغيانٍ هو أثرُ خللٍ في ميزان الأنا.
أحدهم يتمحور حول ذاته فلا يُبصر غيرها، يبدّد أيامه في تلبية غرائزه، يعيش القلق والخوف، يفيض بالرغبات، يسكنه الهوى، ويغشاه الران. لا يُعطي إلا حين يستغني، ولا يجود إلا بعد أن يكتفي.
فعن أي مجتمعٍ نتحدث، إذا كان أفراده نُسخًا من ذلك الفرد؟
أسرٌ تمتلئ بالصراعات، تفقد المودة والتكافل، يسودها الاستغلال والتآكل والصراع.
لكنّ الأدهى والأمرّ، حين يتصدر للحكم من هو من هذا الصنف نفسه!
كيف سيقيم عدلًا أو يحافظ على مؤسسةٍ عامة، وهو أنانيٌّ بطبعه، متمحورٌ حول رغباته؟
ومما لا شكّ فيه أنه سيهدم المعبد فوق الجميع.
لن تتعافى الأرض، ولن يصلح حال البشر، إلا بضبط ذلك الميزان؛ ميزانٍ يقود البشرية إلى برّ الأمان.
إنه صراعٌ أزليٌّ بين معسكرين، ولكلٍّ حريةُ اختيارٍ أين يتمترس.
نحن بحاجةٍ إلى أن نفهم ذواتنا أكثر، ونحرّر مساحات الخير فيها، لتُثمر مجتمعاتٍ أكثر تماسكًا وقوة، تستمدّ عزمها من الإنسان الصادق الأمين، الذي يعيش للفكرة والقيمة والمبدأ، ويحمل في أعماقه طهرًا بلا حدود.
وحين يرحل، تبدأ حياة الخلود والأثر؛ شيءٌ من ذلك الأثر قد يراه الناس ظاهرًا، لكن ما خفي أعظم، فمن بقايا روحه تنبت أرواحٌ شبيهة، تعيش حياتها على المبدأ ذاته، وربما أحسن.
وربما تصنع بيئاتٍ تمهّد لظهور أجيالٍ تنتمي إلى الروح نفسها، أو تكون بلسمًا لجراح البشرية التي تذوقت مرارة الانسلاخ عن الفطرة، وسطوة القوي على الضعيف، وسطوة الرأسمالية العالمية التي تُبقي المال دولةً بين الأغنياء فقط.
إن الحرية الحقيقية تبدأ من تحرير الذات من ثِقل الأنا، وإدراك أن الذات وسيلةٌ لإدراك النور، لينير الإنسان طريقه، ويتركه مضاءً لمن يأتي بعده.
✍🏻 أوسان محمد
