استثمر في نفسك اليوم، واجعل التعلم عادة يومية. ابدأ الآن واجعل العلم رفيقك في رحلة النجاح. تابعنا على تيليجرام!

فقه الرباط : كيف تبني "التقوى" حصون الأمة من الداخل؟


في ختام سورة آل عمران، سورة "الثبات"، وبعد عرض مسيرة الصراع الطويلة، يضع القرآن "الوصية الجامعة" و"خارطة الطريق النهائية" للفلاح. إن آية ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا...﴾ ليست مجرد أمر بالصمود، بل هي "الآية العمود" التي تمثل "جسرًا" منهجيًا ينتقل بنا من "فقه الثبات" إلى "فقه البناء". هذا المقال هو محاولة لاستكشاف كيف أن "الرباط" الحقيقي يبدأ من "الثغور الداخلية" للمجتمع، وكيف أن "التقوى" هي "الروح" التي تحول هذا الرباط من فعل عسكري إلى منهج وفلسفة حياة شامل يبني العمران.

الآية العمود: "منظومة الرباط" كوصية جامعة للثبات

إن "الآية العمود" في هذا المقطع هي ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾. فهي الخلاصة العملية لسورة الثبات. وهذه المنظومة، كما يوضح الإمام ابن القيم، هي مقامات مترابطة: "الصبر، وهو حال الصابر في نفسه. و«المصابرة»: مقاومة الخصم في ميدان الصبر... و«المرابطة»: وهى الثبات واللزوم". وهذه الأفعال الظاهرة لا تكتمل إلا بروحها الباطنة، فالرباط الحقيقي، كما يشير، هو "لزوم ثغر القلب لئلا يدخل منه الهوى والشيطان".

"التقوى" كـ "روح الرباط" وجسر بين السورتين

إن "التقوى" ليست مجرد ركن رابع، بل هي الفلسفة والروح التي تسري في كل أركان الرباط. إنها "الحذر" الذي لا غنى عنه للحارس "المثاغر". والتقوى هي "الجسر" الذي يربط "خاتمة آل عمران" بـ "مطلع النساء"، فكلا الموضعين يؤكدان عليها، مما يدل على مركزيتها. وهذا الجسر، كما يبين الإمام البقاعي، يمثل تكاملاً في بناء "أمهات الفضائل"، فبعد أن ركزت آل عمران على "العلم والشجاعة"، تأتي النساء لتركز على "العفة والعدل".

"ثغور الداخل": خارطة الرباط العمراني

تأتي سورة النساء كـ "تفسير عملي" لواجب "الرباط"، فتحدد لنا "الثغور الداخلية" التي يجب حراستها، لأن قوة السلسلة تقاس بقوة أضعف حلقاتها. ومن أخطر هذه الثغور:
ثغر "النساء": كركن أساسي في الأسرة التي هي أصغر لبنة في "منظومة الرحم". فالمرأة هي "الحارس" الأول لثغر الهوية والتربية، واختراق هذا الثغر هو انهيار للمجتمع من قاعدته.
ثغر "اليتيم": ﴿وَآتُوا الْيَتَامَىٰ أَمْوَالَهُمْ...﴾. وهو ثغر العدالة الاجتماعية.
ثغر "المال العام": ﴿وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا﴾. وهو ثغر الاقتصاد وقوام الأمة.

الخاتمة: من رباط الجند إلى رباط الأمة

يوسع القرآن مفهوم "الرباط" من "مفهوم عسكري" ضيق إلى "مفهوم حضاري" شامل. إن "الناهض" يدرك أن "الرباط" الحقيقي هو "حالة يقظة" و"حذر تقي" دائم على كل ثغور الأمة، بدءًا من "ثغر القلب" وانتهاءً بـ "ثغر الحدود". فالأمة المرابطة هي التي تحرس قيمها من الداخل بنفس القوة التي تحرس بها أرضها من الخارج. وهذا هو "الفلاح" الحقيقي.



كتب حسان الحميني،
والله الموفق.

Post a Comment

أووپس!!
يبدو أن هناك خطأ ما في اتصالك بالإنترنت. يرجى الاتصال بالإنترنت وبدء التصفح مرة أخرى.
الموافقة على ملفات تعريف الارتباط
نحن نقدم ملفات تعريف الارتباط على هذا الموقع لتحليل حركة المرور وتذكر تفضيلاتك وتحسين تجربتك.