استثمر في نفسك اليوم، واجعل التعلم عادة يومية. ابدأ الآن واجعل العلم رفيقك في رحلة النجاح. تابعنا على تيليجرام!

هندسة الدعوة: المقال 8: محاذير الجراح: مخاطر يجب الانتباه إليها في هندسة الدعوة


مقدمة: ما بين الإصلاح والإفساد خيط رفيع

إن "هندسة المفاهيم" والدعوة هي عملية دقيقة وحساسة كالجراحة. وكما أن مبضع الجراح يمكن أن يشفي أو يضر، فإن كلمة الداعية وأسلوبه يمكن أن يصلح أو يفسد. وبعد أن استعرضنا الأدوات والمنهجيات، من الضروري أن نتوقف لنتناول الجانب الآخر: المحاذير والمخاطر. هذا المقال يهدف إلى تنبيه الأخت حليمة (وكل داعية) إلى بعض المحاذير التي يجب تجنبها لضمان أن يكون التدخل بنّاءً وآمنًا.

1. محاذير تتعلق بالنية والدافع (أمراض القلب):

محذور العُجْب بالنفس: الشعور بالرضا عن الذات ("أنا الذي فهمت وسأصلح")، مما يفسد الإخلاص ويمنع توفيق الله.

محذور الاستعلاء المعرفي: التعامل مع المدعو بشعور التفوق المعرفي أو الإيماني، مما يولد النفور.

محذور استعجال النتائج: الرغبة في رؤية "ثمرة" الدعوة بسرعة قد يؤدي إلى نفاد الصبر أو ممارسة الضغط.

محذور تحول الدعوة إلى قضية شخصية: ربط نجاح الدعوة بالنجاح الشخصي، مما يجعل الفشل (الظاهري) سببًا للإحباط أو الغضب.

2. محاذير تتعلق بالمنهج والأسلوب (أخطاء الممارسة):

محذور "التشخيص المتجمد": التمسك بالفرضيات الأولى عن الجارة وعدم مراجعتها وتعديلها بناءً على ما يظهر من الحوار.

محذور "التحول إلى محقق": تحويل الحوار القائم على الأسئلة إلى جلسة استجواب تهدف إلى "الإيقاع" بالمدعو وكشف تناقضاته، بدلًا من مساعدته على الاكتشاف.

محذور "تجاوز الحدود": الخوض في تفاصيل شخصية أو خاصة لا علاقة لها بالموضوع، مما يكسر حاجز الثقة.

محذور "إخلال توازن الشبكة المفاهيمية": الحذر الشديد من "سوء استعمال مشرط الجراحة". ففي محاولة لعلاج مفهوم خاطئ، قد نقع في خطأ تضخيم مفهوم آخر بشكل مفرط. على سبيل المثال، في محاولة معالجة "التساهل"، قد نضخم مفهوم "الخوف" بشكل يشل مفاهيم حيوية أخرى كالرجاء وحسن الظن بالله. الهدف دائمًا هو إعادة "التوازن" للشبكة المفاهيمية، لا استبدال اختلال باختلال آخر.

3. محاذير تتعلق بالنتيجة والتقييم:

محذور "تضخيم الهدف الجزئي": جعل "الحجاب" هو القضية الكبرى والوحيدة، ونسيان أن الهدف الأسمى هو دلالة الإنسان على الله وتقوية صلته به بشكل عام.

محذور "اليأس عند عدم الاستجابة": إذا لم تستجب الجارة، فقد يقع الداعية في اليأس أو يقطع العلاقة، وهذا خطأ. فالبلاغ هو المطلوب، والهداية من الله، والحفاظ على حسن الجوار واجب.

محذور "إفشاء أسرار الدعوة": التحدث مع الآخرين عن تفاصيل الحوار مع الجارة، مما يعتبر خيانة للثقة.

خاتمة: نحو دعوة آمنة ومسؤولة
إن "هندسة الدعوة" تتطلب حذاقة الجراح الذي يجمع بين العلم الدقيق، والمهارة العملية، والقلب الرحيم، والوعي التام بالمخاطر. فمهمة الداعية ليست فقط أن يكون "فعالاً"، بل أن يكون "آمنًا" لا يسبب ضررًا. إن المراجعة المستمرة للنية والمنهج، والاستعانة بالله لتجنب هذه المحاذير، هو ما يجعل دعوتنا أقرب للقبول والتوفيق.

كتب حسان الحميني،
والله الموفق.

إرسال تعليق

أووپس!!
يبدو أن هناك خطأ ما في اتصالك بالإنترنت. يرجى الاتصال بالإنترنت وبدء التصفح مرة أخرى.
الموافقة على ملفات تعريف الارتباط
نحن نقدم ملفات تعريف الارتباط على هذا الموقع لتحليل حركة المرور وتذكر تفضيلاتك وتحسين تجربتك.