أصبحت وسائل التواصل الاجتماعي نافذتنا اليومية على العالم ؛ تجمع بين المعرفة والمتعة ، وتقرّب البعيد ، وتمنح الإنسان مساحة للتعبير والتأثير . لكنها في الوقت ذاته قد تتحوّل " إن غاب الوعي " إلى ساحة يختلط فيها الحق بالباطل ، وتكثر فيها الأحكام المتسرّعة ، ونقل الأخبار دون عدل أو تدقيق .
ومن أخطر ما في هذا الفضاء الرقمي التسرّع في النشر ، أو الكتابة في الشأن العام دون تثبّت ، وكأن الكلمة تُقال ثم تزول، بينما الحقيقة أنها تبقى ، وتُحسب ، ويُبنى عليها أثر قد لا يُدرك صاحبه حجمه إلا بعد فوات الأوان .
ومن هنا تأتي هذه النصيحة الجامعة :
( اعدل بالكتابة ، ولا يجرمنّك شنآن قوم .
افصل الرأي عن المعلومة . ولا تستعمل الدليل الباطل للدفاع عن قضية عادلة ، فإنك بذلك تضرّ القضية العادلة ، وتفيد العاطل ببطلان دليلك . )
لكن الوعي لا يكتمل بالتحذير فقط ، بل بحسن الاستخدام . فوسائل التواصل ليست شرًّا في ذاتها ، وإنما أداة ، والذكي هو من يحسن التفاعل معها ، ويجعلها قيمة مضافة في حياته وعلاقاته ، لا عبئًا عليه أو مصدرًا للإساءة لصورته وسمعته .
وفي هذا السياق ، من المهم أن نتذكّر أن الإنسان في هذا العالم الافتراضي يتعامل غالبًا مع أشخاص لا يعرفهم ، ولا يعرفونه ، ومع ذلك تبقى السمعة حاضرة ، والدائرة أضيق مما نتصوّر ، والكلمة المكتوبة قد تسبق صاحبها إلى حيث لا يتوقّع .
كما أن الحوار والنقاش ، على أهميتهما ، لا يكونان نافعين في كل موضع ومع كل شخص . فليس من الحكمة أن يُستنزف الوقت والجهد في جدالٍ مع من أغلق على نفسه باب الفهم، وتمترس خلف تحيّزٍ مسبق، لا يسمع إلا صوته ، ولا يبحث عن الحقيقة بقدر ما يبحث عن الغلبة . وقديماً قيل : الجلوس مع حامل المسك خير ، ومع نافخ الكير إمّا أن يحرقك أو يُفسد عليك رائحتك ؛ فبعض النقاشات لا تؤذي الفكرة فقط ، بل تُرهق صاحبها ، مهما كان محقًّا .
من هنا ، يكون الوعي في اختيار الحوار ، كما في اختيار الكلمة ، جزءًا من حسن استخدام وسائل التواصل ، وحمايةً للنفس، وصيانةً للأثر .
والخلاصة : عليك بالنصائح للتعامل الإيجابي والواعي مع وسائل التواصل الاجتماعي :
١- اكتب وكأن من تخاطبه سيقابلك وجهًا لوجه يومًا ما .
٢- لا تجعل الخلاف في الرأي مبرّرًا لفقدان الاحترام .
٣- اختر معاركك بعقل ؛ فليس كل ما يُقال يستحق الرد ، ولا تكمل الحوار مع نافخ الكير .
٤- تذكّر أن الصمت أحيانًا أرقى من ردّ متسرّع .
٥- احرص أن تعبّر عن نفسك دون أن تسيء لغيرك .
٦- اجعل حضورك الرقمي انعكاسًا لقيمك ، لا لانفعالك اللحظي .
وقبل أن تكتب أو تشارك ، اسأل نفسك بصدق : هل ما أنقله حقيقة أم رأي؟
وهل ما أنقله هو الحقيقة كاملة أم جزءًا منها ؟ وهل أملك الدليل الصحيح ؟
فالكلمة مسؤولية ، وقد تكون جسرًا للإصلاح والتقارب ، كما قد تتحوّل " إن أسيء استخدامها " إلى سبب للتفرقة ، وتشويه العلاقات ، ونشر المغالطات . فاختر أن تكون كلماتك بناءً لا هدمًا ، وأثرًا حسنًا يبقى ، لا عبئًا يُحاسَب عليه صاحبه .
زياد ريس
١٥/١٢/٢٠٢٥
