أجدني متحسرا في عالم متناقض مليء بالمفاجئات، كلما ظهرت بقعة أمل تحيي الأمة الإسلامية من جديد، ظهرت خطط ارتدادية تعيدنا لنقطة الصفر، بفعل مكر أعدائنا ودهائهم وقوتهم ونفوذهم، فتصبح في حكم التاريخ، ما يشكل صدمة نفسية لأجيال تتوارث الهوان و الضعف والإستكانة، وهذا المشهد ليس بالسهل، فهو يمثل أحد مشاهد يوم القيامة، "وَٱلَّذِينَ كَفَرُوٓاْ أَعْمَٰلُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍۢ يَحْسَبُهُ ٱلظَّمْـَٔانُ مَآءً حَتَّىٰٓ إِذَا جَآءَهُۥ لَمْ يَجِدْهُ شَيْـًٔا وَوَجَدَ ٱللَّهَ عِندَهُۥ فَوَفَّىٰهُ حِسَابَهُۥ ۗ وَٱللَّهُ سَرِيعُ ٱلْحِسَابِ" النور: 39،
طبعا هناك في العالم الآخر، سيعيشها الكفار أكثر تحسرا، فهنا دار اختبار لسنا مطالبين بالوصول بقدر ما نحن مكلفون بالعمل والإجتهاد، وإخلاص النية والعمل لله، أما هناك فدار قرار لا رجعة فيها، إما إلى جنة الرضوان أو نار السعير والعياذ بالله..
الآية التي جعلتني أتحسر هي قوله تعالى: "لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ" المائدة: 04
فالواقع يقول غير هذا، فإذا أخذنا غزة بوصلة، نجد روسيا، الصين وأمريكا الجنوبية كبوليفيا و البرازيل أكثر الدول مساندة ورافضة للعدوان وداعمة للقضية الفلسطينية سياسيا على الأقل،
وإذا ذهبنا إلى واقع تلك البلدان، وجدناها شبيهة قمعا ودموية باليهود في غزة، الهند مع كشمير، الصين مع ميانمار والروهينغا، روسيا مع الشيشان،
وقد نجد الجواب في قوله تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ " المائدة: 08
فلا يوجد حق مطلق ولا باطل مطلق، وعلينا معالجة الأمور بموضوعية وليس بشخصانية، نقول للمحسن أحسنت في موضع الإحسان، ونقول للمسيء أسأت في موضع الإساءة، ونترك الغيبيات لله تعالى، تحت قاعدة قوله تعالى: "يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَٰكُم مِّن ذَكَرٍۢ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَٰكُمْ شُعُوبًا وَقَبَآئِلَ لِتَعَارَفُوٓاْ ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ ٱللَّهِ أَتْقَىٰكُمْ ۚ إِنَّ ٱللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ" الحجرات: 13
وهاته الآية الأخيرة وإن كان خطاب الله تعالى للناس من باب التعميم على البشرية جمعاء، ولكن مع وضع الأمة الحالي الذي يقتضي إصلاح الداخل أكثر من التوجه لدائرة العالمية، فإنها تتجلى فينا أولا، فالأنظمة العربية قبل الغربية أغلبها عميلة مطبعة مع الكيان جهارا نهارا، قامعة لشعوبها اضطهادا وسجنا ونفيا وتقتيلا، وتدعي حماية الإسلام السني وتتزين بخدمة الحرمين وجامع الزيتونة والأزهر الشريف، وأخرى براغماتية تدعم القضية بكل ما أوتيت من قوة سياسية مالية إعلامية ديبلوماسية، إلا جيوشها لا تتحرك إلا بإيعاز وأقصد بالتحديد تركيا وقطر و ماليزيا وإندونيسيا والجزائر، والحسم الأخير لا بد وأن يكون عسكريا لا محالة، والأدهى والأمر في الدول أو الحركات الشيعية التي تسوي بين اليهود والسنة، بل وتعادي وتقتل وتضطهد السنة أكثر من اليهود أنفسهم، فترمي بضعة صواريخ للكيان وعدة صواريخ ورصاصات على جباه العلماء والدعاة.
إن النموذج المتنامي اليوم في العالم الإسلامي اليوم المنسجم مع ثوابت الأمة تنظيرا وواقعا، داخليا وخارجيا بعد حركة المقاومة الإسلامية حماس، إنما هي باكستان وأفغانستان، ومن يستقرئ القرن الماضي من سقوط الخلافة الإسلامية، يجد أن موازين القوة انتقلت من العثمانيين إلى العرب للقضاء على بقايا الخلافة، ومنها إلى الشيعة لضرب المشروع السني ككل، واليوم تنامت باكستان وأفغاستان بتضحيات شعوبها لا بتنفيخ خارجي لاسكات قوى معادية، وبجهود علمائية لا بأبواق إعلامية.
سعيد فراقة
تعليق:
رؤية واعدة، وتحليل منصف..
طبعا: كل من الكتلة السنية والكتلة الشيعية تعاني من عيوب قاتلة
والعدو يستغل ذلك بلا هوادة لاستدامة إضعاف الوجود المسلم ككل
الى أن ينتبه الناس أننا في سفينة واحدة!!
فيفقهوا متأخرين مع الأسف، أننا كنا مطالبين سننيا ليس فقط بالعارف الداخلي بين السنة والشيعة، بل حتى بالتعارف بين كل الداعين إلى القسط!!
حتى ولو لم يكونوا مسلمين البتة!!
وهنا أود أن ألفت الى قضية حاسمة مؤثرة في بناء التحالفات_بمناسبة مقالكم هذا_
فالكفر في المنظور القرآني ولأنه معجز محيط بكل المستقبلات،لا يصنف الناس على أساس جغرافي ككتل ودول .وووو
بل على أساس الموقف الشخصي الحر المسؤول فقط:
ولذلك لا يصنف (الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم) بل طلب حسن البر والقسط بيننا وبينهم ولم يذكر شيئا عن خصوصياتهم العقدية حتى ولو كانت باطلة بالنسبة لنا
وهذا معناه أن الإختلاف العقدي ليس سببا للقطيعة والتعارف بل فقط حين يتحول الى مفعل للظلم !!
أي مثلما صنعت الصهيونية باليهودية : فعلت فيها الظلم موجها بالعقيدة
وحين نقلدهم !!نسقط في الفخ!! نهدم الاساس القرآني لبناء التحالفات ظنا منا أننا ننصر النقاء العقدي!!
وهو تكليف ما لم نكلف به: أي هو تحريم وتحليل بلا دليل
وبديهي انه سيكون هداما : يحرمنا من المجال الحيوي العالمي للتحرك والتحالف !!
وأظن ان ثمة فرقا بين :
(النصارى) في الآية وبين الصهيونية المسيحية التي هي أقرب الى ما في سياق بداية سورة الكهف(..وينذر الذين قالوا اتخذ الله ولدا...) سياق تحذيري رهيب مع إشارات للمستقبل!!
وهم مصمموا *الصه/يونية* الاكثر إصرارا
بالنسبة للكتل في آسيا وأمريكا الجنوبية ، تماما كما ذكرتم: نتعامل معهم في كل ما نتفق فيه ، ولا نسقط في العداء الجذري لأن الناس تختلف
مثلا : سمي انتصار الروم في القرآن على الفرس بنصر الله!!
رغم ما في الروم من شرك!!
لنفهم أن مجال فروع العقائد خاص بكل أمة لكن مجال التحالفات الموضوعية عام نشترك فيه من دون انتظار تطابق عقدي كامل
وهذا أدعى ان تدركه الطوائف المسلمة!!
شكرا على مبادرتكم الطيبة