استثمر في نفسك اليوم، واجعل التعلم عادة يومية. ابدأ الآن واجعل العلم رفيقك في رحلة النجاح. تابعنا على تيليجرام!

من كنوز القرآن في أمثال العرب والعجم



                    إنّ للقرآن الكريم سحرًا لا يخفى على ذي بصيرة، وبيانًا يأخذ بالألباب، وعمقًا لا تُدرك أغواره إلاّ العقول المتدبّرة. فهو أصل البلاغة ومعدن الحكمة، ومرجع البيان في لغات العرب والعجم، فيه اجتمعت المعاني العالية، وتفرّعت منه أصول الأدب والقول السديد.
وقد نقل الإمام جلال الدين السيوطي في كتابه الجليل الإتقان في علوم القرآن واقعةً لطيفةً تدل على هذا العمق البياني، حين سُئل العالم المفسّر الحسين بن الفضل البجلي ـ وكان من أئمة البيان والتفسير ـ فقيل له:
إنك تُخرج أمثال العرب والعجم من القرآن، فهل تجد في كتاب الله تعالى: "خير الأمور أوسطها؟"
فقال رحمه الله: نعم، في أربعة مواضع من كتاب الله:
١. قوله تعالى: ﴿لَا فَارِضٌ وَلَا بِكْرٌ عَوَانٌ بَيْنَ ذَٰلِكَ﴾ [البقرة: 68]
أي: لا هرمة ولا صغيرة، بل وسط بينهما، وهو المثل في التوسط والاعتدال.
٢. وقوله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَٰلِكَ قَوَامًا﴾ [الفرقان: 67]
أي: اعتدلوا في النفقة فلم يغلب عليهم بخل ولا إسراف.
٣. وقوله تعالى: ﴿وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَىٰ عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ﴾ [الإسراء: 29]
ففيها دعوة إلى الوسطية بين الإمساك والبذل.
٤. وقوله تعالى: ﴿وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ وَلَا تُخَافِتْ بِهَا وَابْتَغِ بَيْنَ ذَٰلِكَ سَبِيلًا﴾ [الإسراء: 110]
وفيها إشعار بأنّ خير الأمور أوسطها حتى في العبادة والصوت.
ثم قيل له:
فهل تجد في القرآن قولهم: من جهل شيئًا عاداه؟
قال: نعم، في قول الله تعالى:
١. ﴿بَلْ كَذَّبُوا بِمَا لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ﴾ [يونس: 39]
٢. ﴿وَإِذْ لَمْ يَهْتَدُوا بِهِ فَسَيَقُولُونَ هَٰذَا إِفْكٌ قَدِيمٌ﴾ [الأحقاف: 11]
وهذا هو بعينه منطق الجهلاء الذين يعادون ما لا يحيطون به علمًا.
ثم قيل:
فهل تجد فيه قولهم: احذر شرّ من أحسنت إليه؟
قال: نعم، في قوله تعالى:
﴿وَمَا نَقَمُوا إِلَّا أَنْ أَغْنَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ مِنْ فَضْلِهِ﴾ [التوبة: 74]
أي أنّ بعض القلوب لا تحتمل الإحسان، فيتحول فيها المعروف إلى بغضاء.
وقيل له:
هل تجد فيه: ليس الخبر كالعيان؟
قال: نعم، في قول الخليل عليه السلام:
﴿قَالَ بَلَى وَلَٰكِن لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِي﴾ [البقرة: 260]
فقد علم إبراهيم تصديق الوعد، لكنّ رؤية المعاينة أكملت يقينه.
ثم قيل:
هل تجد فيه قولهم: في الحركة بركة؟
قال: نعم، في قوله تعالى:
﴿وَمَن يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَجِدْ فِي الْأَرْضِ مُرَاغَمًا كَثِيرًا وَسَعَةً﴾ [النساء: 100]
فالحركة في سبيل الله رزقٌ وسَعة، وفي السكون ضيقٌ وخمول.
وقيل:
هل تجد فيه: كما تدين تدان؟
قال: نعم، في قوله تعالى:
﴿مَن يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ﴾ [النساء: 123]
وهي قاعدة عادلة مطّردة في الشرع والقدر.
ثم قيل له:
هل تجد فيه: حين تلقى ندري؟
قال: نعم، في قوله تعالى:
﴿وَسَوْفَ يَعْلَمُونَ حِينَ يَرَوْنَ الْعَذَابَ مَنْ أَضَلُّ سَبِيلًا﴾ [الفرقان: 42]
أي أنّ الحقائق لا تُدرك إلاّ عند المعاينة، لكن حينئذٍ لا ينفع الندم.
وقيل:
هل تجد فيه: لا يُلدغ المؤمن من جحر مرتين؟
قال: نعم، في قول يعقوب عليه السلام:
﴿هَلْ آمَنُكُمْ عَلَيْهِ إِلَّا كَمَا أَمِنتُكُمْ عَلَىٰ أَخِيهِ مِن قَبْلُ﴾ [يوسف: 64]
ففيها الحذر من تكرار التجربة المؤلمة.
ثم قيل:
هل تجد فيه: من أعان ظالمًا سُلِّط عليه؟
قال: نعم، في قوله تعالى:
﴿كُتِبَ عَلَيْهِ أَنَّهُ مَن تَوَلَّاهُ فَإِنَّهُ يُضِلُّهُ وَيَهْدِيهِ إِلَىٰ عَذَابِ السَّعِيرِ﴾ [الحج: 4]
أي من والى الظالم صار شريكًا في ظلمه وناله شرّه.
وقيل:
هل تجد فيه: لا تلد الحيّة إلا حية؟
قال: نعم، في قوله تعالى:
﴿وَلَا يَلِدُوا إِلَّا فَاجِرًا كَفَّارًا﴾ [نوح: 27]
فهي إشارة إلى أنّ الأصل الفاسد لا يلد إلا فاسدًا.
ثم قيل:
هل تجد فيه: للحيطان آذان؟
قال: نعم، في قوله تعالى:
﴿وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ﴾ [التوبة: 47]
أي: في الناس من ينقل الأخبار ويُصغي للعدو كأن الجدران تسمع.
وقيل له أخيرًا:
هل تجد فيه قولهم: الحلال لا يأتيك إلا قوتًا، والحرام لا يأتيك إلا جزافًا؟
قال: نعم، في قوله تعالى:
﴿إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعًا وَيَوْمَ لَا يَسْبِتُونَ لَا تَأْتِيهِمْ﴾ [الأعراف: 163]
أي أنّ الرزق الحلال يأتي بقدرٍ مقسومٍ في وقته، أما الحرام فيغمر صاحبه ليهلكه.

               هكذا تبرز عبقرية القرآن، الذي جمع بين جمال اللفظ، وعمق الحكمة، وشمول المعنى. فما من مثلٍ أو حكمةٍ نُقلت في كلام العرب والعجم إلا ولها في كتاب الله أصلٌ ومصدرٌ أرفع.
فسبحان من أنزل هذا الكتاب، وجعل فيه تبيان كل شيء، وأودع بين كلماته أسرار البيان ومفاتيح الحكمة.
﴿قَدْ جَاءَكُم مِّنَ اللَّـهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُّبِينٌ﴾ [المائدة: 15]۔


✍️: أبو خالد القاسمي


مقال مبين:

روعة حقا، وإن كنت لا أرى مفهوم (العبقرية) مناسبا للقرآن!!

إذ العبقرية من مراتب الذكاء البشري
والأحسن: (إعجازية ) القرآن في الهيمنة على الأمثال

بارك الله جهودكم

رأس الخيط هنا من أجل الربط مع مجالنا، في نظري- هو:

أن لكل ثقافة مخزونا من الحكم والأمثال تكونت عبر التجارب التاريخية لشعوبها، وصقلت ملخصة في صيغ مركزة بليغة!!

ومن هنا، يمكن اعتبار ذلك *ظاهرةأنثروبولوجية
أي أنها نمط راسخ قابل للتكرار وللرصد عبر التاريخ والجغرافيا الحضارية/السوسيولوجية

ومن هنا، يمكن للبحث النهضوي بما هو مجال متعدد التخصصات، ومركز على العلوم الإنسانية أن يجعل من هذا المخزون/الظاهرة،،وسيلة منهجية لاستكشاف "المختلف والمؤتلف" في مخزونات الشعوب وثقافاتها بغية تكوين مقارنات وتصنيفات تساعد على فهم ظواهر *التخلف* و*التقدم*  التماسك أو التنافر.. القابلية للتعلم من عدمها.. وكثير من معوقات ومحفزات الرقي والتجديد والفاعلية الحضارية!!


أما الربط العلمي بالقرآن الكريم، فلا يكون إلا بعد عملية *السير في الأرض ثم النظر في هذه المخزونات*!!

آنذاك، تتوفر  مقارنة أخرى أقوى منهجيا :
وهي مقارنة كل ما تمت دراسته بالآيات القرآنية القابلة لاستيعاب تلكم الأمثال والحكم ..


وبما أن الدراسة الموضوعية المتعددة التخصصات ستكون ميدانية، فهي إذن مؤهلة لبناء نظريات مفتوحة على أساس المعطيات التي تم جمعها وتصنيفها، 
ما يجعل المقارنة بعد ذلك مع الشبكات القرآنية وأنساقها،  مدهشة  ومفتوحة أيضا على تعدد المناهج والرؤى

لكن ذلك كله سيكون خصبا وعميقا من حيث التأثير على تجديد مناهج التفسير من جهة، وعلى تعميق وتنوع مصادر المعرفة العلمية 

أي يكون المصدر القرآني ناظما للمخرجات التخصصية وتكون هذه النشاطات العلمية من عوامل تجديد التفسير وربطه المنهجي السليم بالواقع


أما ما يستفيده علم النهوض الحضاري فسيكون فقها معمقا للسنن يستطيع مخاطبة الثقافات والشعوب من داخل الكيفيات التي تبني بها حكمها وأمثالها

وإذن سيكون هذا المنهج التبادلي قرآنيا وعلوميا،،، خطوة معقولة وواعدة في تدبير العلاقات بين الثقافات وتدبير الصراعات إذ عند اكتشاف البنى المؤتلفة والمختلفة كأنماط كبرى، سنفهم التنوع الثقافي المتجه نحو التعاون والتعارف من ذلك الذي يعيد إنتاج نفس محركات الصراع والعنصريات والإنغلاق

والله الموفق

محمد بن عزة

إرسال تعليق

أووپس!!
يبدو أن هناك خطأ ما في اتصالك بالإنترنت. يرجى الاتصال بالإنترنت وبدء التصفح مرة أخرى.
الموافقة على ملفات تعريف الارتباط
نحن نقدم ملفات تعريف الارتباط على هذا الموقع لتحليل حركة المرور وتذكر تفضيلاتك وتحسين تجربتك.