استثمر في نفسك اليوم، واجعل التعلم عادة يومية. ابدأ الآن واجعل العلم رفيقك في رحلة النجاح. تابعنا على تيليجرام!

الأسطول العالمي للصمود


            إنّ صفحات التاريخ لا تخلو أبداً من أسماء الرجال العظام الذين نذروا أنفسهم للحق، وتجاوزوا حدود ذواتهم ليفكروا في الإنسانية جمعاء. الذين لم يركنوا إلى الذلّ، ولم يهنوا أمام طغيان الظالمين، بل رفعوا رؤوسهم عالية، وجعلوا من حياتهم جسوراً يعبُر عليها المظلومون إلى الأمل والحرية.
             وفي زماننا هذا، حيث يستطيل الباطل ويستأسد القويّ على الضعيف، ينبثق من بين ركام الظلم رجال ونساءٌ صدح ضميرهم بالنداء، فهبّوا ملبّين دعوة الحق، وأصبحوا قدوة للأحرار في أرجاء المعمورة.
غزة… سجن مفتوح في وجه العالم
               لقد تحوّلت غزة في عصرنا إلى أكبر سجن مفتوح على وجه الأرض؛ مليونان من البشر محاصرون بين البرّ والبحر والسماء، يُمنعون من أبسط مقومات الحياة: الغذاء والدواء، حقّ التعلم والسفر، وحتى شربة الماء النقيّ. إنّه حصار ظالم يخنق الأنفاس، ويمثل جريمة إنسانية يشهدها العالم كل يوم، بينما تتواطأ الأنظمة ويصمت الكثيرون.
          ومع هذا الظلام الدامس، تظلّ هناك ومضات من نور تضيء الطريق؛ مبادرات إنسانية من شرق الأرض وغربها، أصوات حرة، وحركات شعبية تمدّ يد العون وتقاوم ثقافة الاستسلام.

 ومن أبرز هذه المبادرات:                      "الأسطول العالمي للصمود".
           و"الصمود" كلمة عربية أصيلة، تعني الثبات والرسوخ في وجه العواصف. وهي ليست مجرد لفظ، بل عقيدة وإرادة وعزيمة، تمثل جوهر هذه الرحلة البحرية. فأسطول الصمود ليس سفناً فحسب، بل هو صرخة ضمير عالمي، ورسالة تقول: إنّ اختلاف الألوان والألسنة والأديان لا يمنع الأحرار من أن يتحدوا لمناصرة المظلومين.
انطلاق المبادرة
             بدأت هذه المبادرة في مطلع عام 2025، حين بلغت مأساة الحرب على غزة ذروتها: آلاف الأطفال يتضوّرون جوعاً، المستشفيات خاوية من الأدوية، العائلات تبحث عن قطرات ماء عذب فلا تجدها. عندها اجتمع ناشطون، وأطباء، وصحفيون، ومنظمات حقوقية من شتى الأقطار، واتفقوا على خوض مغامرة محفوفة بالمخاطر، هدفها كسر الحصار وإيصال رسالة إنسانية قبل أن تكون سياسية.
         ففي 31 أغسطس 2025، أبحرت أولى سفن الأسطول من ميناء برشلونة في إسبانيا، رمزاً لانطلاق صوت الحرية من الغرب الأوروبي. ثم لحقت بها سفن أخرى من ميناء تونس في 4 سبتمبر، ليكتمل بذلك قافلة عالمية تمثل أكثر من 44 دولة من أوروبا وآسيا وإفريقيا وأمريكا الجنوبية وباکستان وغیرھا. والمثير أن غالبية المشاركين من غير المسلمين، دليلاً على أن قضية فلسطين لم تعد قضية إقليمية أو دينية، بل صارت امتحاناً للضمير الإنساني كله.
تنوع المشاركين
               يضمّ هذا الأسطول آلاف الرجال والنساء من مختلف الفئات: أطباء يحملون أرواحهم على أكفّهم، ومعلمون، وصحفيون، فنانون، شباب وشيوخ، رجال ونساء. وقد جمعتهم قيمة واحدة: الوقوف بجانب الشعب الفلسطيني المحاصر. وتشارك فيه منظمات بارزة مثل:
ائتلاف أسطول الحرية Freedom Flotilla Coalition
الحركة العالمية إلى غزة Global Movement to Gaza
أسطول الصمود المغاربي
صمود نوسانتارا في جنوب شرق آسيا
كلها توحّدت على كلمة سواء: الحرية لفلسطين وكسر الحصار.
أهداف الأسطول ورسالة التحدي
             و الغاية  إيصال المساعدات الإنسانية من غذاء ودواء وأجهزة طبية، معھا انہ  محاولة عملية لكسر الحصار غير الشرعي المفروض منذ أكثر من 18 عاماً، وإسماع صوت المظلومين للعالم أجمع.         فالمنظمون يرفضون إنزال المساعدات في موانئ إسرائيلية كـ"أشدود" أو "عسقلان"، لأن ذلك يعني إضفاء شرعية على الحصار. يريدون أن يثبتوا أن الطريق إلى غزة حق إنساني مكفول، لا منّة من أحد.
ردود فعل إسرائيل والمخاطر المحيطة
              واجه الأسطول تهديدات إسرائيلية متواصلة؛ فقد اعتبرته "غزواً بحرياً" وأعلنت أنها لن تسمح بوصوله إلى شواطئ غزة. بل أفيد عن استهداف بعض السفن بالطائرات المسيّرة، ووضع العراقيل في عرض البحر. غير أن هذه التهديدات لم تزِد المشاركين إلا إصراراً على مواصلة الرحلة.
وهنا يتجلّى المعنى الأسمى: أن يركب أناس عاديون أمواج البحر، معرضين أنفسهم للموت، بلا سلاح ولا جيش، وإنما بإرادة حرة وضمير حي. إنها بطولة من طراز خاص ستخلّدها ذاكرة الإنسانية.
امتداد لتجربة "مافي مرمرة"
وليس هذا أول أسطول يتجه لكسر الحصار؛ ففي عام 2010 أبحر أسطول "مافي مرمرة" من تركيا، فهاجمته البحرية الإسرائيلية بوحشية، واستشهد على متنه أكثر من عشرة ناشطين. لقد صار ذلك اليوم رمزاً للبطولة والتضحية. واليوم يأتي "الأسطول العالمي للصمود" ليجدد العهد، ولكن هذه المرة بمشاركة أوسع وضغط دولي أشدّ، حتى بلغ عدد الدول المؤيدة لفلسطين في الأمم المتحدة أكثر من 144 دولة.
             وانھا قوافل عزيمة وإيمان، تحمل لواء الأمل لشعوب العالم. إنهم الأبطال الذين يعلّموننا أن الحق لا يُقهر مهما طال الليل. وهذه القوافل تقول للبشرية: لا زال في العالم رجال أحرار، لا ينامون على الظلم، ولا يساومون على الكرامة.
فلْتستمرّ سفن الصمود شامخة في عرض البحر، حاملة عزّة الأحرار، مشرقة بنور يبدّد عتمة الظلم، ومرسلة رسالة إلى كل قلب حيّ: أن التاريخ يُكتب اليوم بأيدٍ لا تخاف الأمواج، ولا تهاب العواصف.

فلتستمرّ سفنُ الصمودِ رواسياً في البحرِ تحملُ عزّةَ الأحرارِ
ما زالَ يسطعُ نورُها في أفقِنا يهدي الشعوبَ إلى طريقِ انتصارِ
لا تنحني ريحُ الحقوقِ لعاصفٍ ما دامَ يعضُدُها قويُّ إصرارِ
فلتكتبِ التاريخَ سطوراً خالدةً عن أمّةٍ صبرتْ على الأخطارِ


أبو خالد بن ناظر الدين القاسمي
خريج دار العلوم ديوبند، الھند 

إرسال تعليق

أووپس!!
يبدو أن هناك خطأ ما في اتصالك بالإنترنت. يرجى الاتصال بالإنترنت وبدء التصفح مرة أخرى.
الموافقة على ملفات تعريف الارتباط
نحن نقدم ملفات تعريف الارتباط على هذا الموقع لتحليل حركة المرور وتذكر تفضيلاتك وتحسين تجربتك.