الإسلام ليس دينَ جفاءٍ وقسوة، بل هو دينُ محبّةٍ ورحمةٍ ومودّة.
فالرومانسيّة في معناها الأصيل ـ وهي الرِّقّة، والاهتمام، والتعبير عن العاطفة بصدقٍ ولباقة ـ جزءٌ من الأخلاق التي دعا إليها الإسلام.
إنّ أول درسٍ في الرومانسيّة نتلقّاه من القرآن الكريم، إذ يقول الله تعالى:
﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا، وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَوَدَّةً وَرَحْمَةً﴾
فهذه الآية وحدها تختصر معنى "الرومانسيّة الإسلاميّة" بأجمل صورها: سكينةٌ، ومحبّةٌ، ورحمةٌ متبادلة.
وليس عجيبًا أن نرى هذا المعنى متجلّيًا في وصيّةٍ خالدةٍ من إمامٍ جليلٍ هو الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله، أوصى بها ابنه يوم زواجه، فكانت من أبلغ ما قيل في فنِّ التعامل بين الزوجين، وجمعت بين الفقه والحكمة والرِّقّة.
وصيّة الإمام أحمد بن حنبل لابنه يوم زواجه :
يا بُنيّ! إنّك لن تنال السعادة في بيتك إلا بعشر خصال، فاحفظها عني، واعمل بها، تُسعدْ وتُسعِدْ.
- إنّ النساء يُحبِبنَ الدَّلال، ويُحبِبنَ التَّصريحَ بالمحبّة، فلا تبخل على زوجتك بكلماتِ الودِّ والثناء، فالكلمةُ الطيبةُ سحرُ القلوب، وإذا بخلتَ بالكلمةِ، بخلَ قلبُها بالعاطفة، فغابت المودّةُ، وحلَّت الجفوة.
- إيّاكَ أن تكونَ شديدَ الغِلظةِ دائمَ الحزم، ولا تكن ضعيفًا لينًا يُستخفُّ بك، ولكن اجعل لكلِّ حالٍ موضعَها، فبقدرِ الحزمِ تُقامُ المهابة، وبقدرِ اللينِ تُزرعُ المحبّة.
- إنّ النساء يُحبِبن من أزواجهنّ ما يحبّه الرجال من نسائهم، من طيبِ رائحةٍ، وحُسنِ مظهرٍ، ولُطفِ كلامٍ، ونظافةٍ في الثيابِ والجسد. فكنْ في نفسك جميلًا كما تُحبّ أن تراها جميلة.
- اعلم أن البيتَ مملكةُ المرأة، وفيه تشعر أنّها ملكةٌ متوَّجةٌ على عرشها، فإيّاكَ أن تُنازعَها ملكها، أو تُهدمَ عرشها، فإنّها إن شعرت بالتهديد، صارت خصمًا لا شريكًا، وإنْ شعرت بالأمان، كانت لك جُنّةً وسكنًا.
- تحبُّ المرأة أن تكسبَ زوجها دون أن تخسرَ أهلها، فلا تضع نفسك في كفّةٍ مقابلَ أهلها، ولا تُخيّرها بينك وبينهم، فإنّها وإن اختارتك بلسانها، فإنّ قلبها سيبقى معلّقًا بالحزن، وسيُظلّل ذلك الحزنُ حياتكما.
- إنّ المرأة خُلقت من ضِلعٍ أعوج، وفي ذلك سِرُّ جمالها وجاذبيّتها، وليس عيبًا فيها، فـ"الحاجبُ زينُه العِوَجُ"، كما قال الحكماء. فلا تُثقل عليها إن أخطأت، فإنْ شددتَ عليها كسرتَها، وكسرُها طلاقُها، وإنْ أهملتَها زاد عِوَجُها، فكنْ معها دائمًا بين بين، تُقوِّمُ برفقٍ، وتغفرُ بحكمةٍ.
- إنّ النساء جُبلن على جُحودِ المعروف أحيانًا، فقد تُحسنُ إليها دهرًا، ثم تُسيءُ مرّةً فتقول: "ما رأيتُ منك خيرًا قط"، فلا يغرّك هذا الطبعُ فتنفرَ منها، ففيها من الصفاتِ الأخرى ما يُنسيك هذا العيبَ اليسير.
- تمرّ المرأة بأيامٍ من ضعفٍ جسديٍّ وتعبٍ نفسيّ، رفع الله عنها فيها بعض الفرائض، فكنْ أنت أيضًا رفيقًا رحيمًا في تلك الأيام، خفّف عنها الأوامر، وتجاوز عن تقصيرها، فكما خفّف الله عنها، كنْ أنت لها رَحْمَةً ومأوى.
- اعلم يا بُنيّ أنّ المرأة أسيرةٌ عندك، فكنْ بها رحيمًا كما يكون السيد الكريمُ بأسيره، واستر ضعفها، واحتمل زلّتها، تكن لك خيرَ متاعٍ في الدنيا، وخيرَ معينٍ في الآخرة. تلك هي الرومانسيّة في الإسلام؛ ليست كلماتٍ جوفاءَ ولا مشاعرَ عابرة، بل هي سلوكٌ، وخلقٌ، ورحمةٌ، ورفقٌ، وعِشرةٌ بالمعروف.
فكلُّ بيتٍ عُمّر بهذه الوصايا العشر، كان بيتًا تفيضُ منه السكينة، وتُرفرف عليه المودّة، وتُظلّه الرحمة.
✍🏻 ابو خالد بن ناظر الدین القاسمی
