استثمر في نفسك اليوم، واجعل التعلم عادة يومية. ابدأ الآن واجعل العلم رفيقك في رحلة النجاح. تابعنا على تيليجرام!

سلسلة مقالات استراتيجية (1) كيف بدأت القصة؟ الجذور الأولى للمشروع الإسلامي المعاصر


حين سقطت الخلافة العثمانية في بدايات القرن العشرين، بدا المشهد الإسلامي كمدينة انطفأت مصابيحها فجأة. انهارت الرمزية الجامعة التي كانت – على ضعفها – تؤدي دور المظلة، وانقسم العالم الإسلامي إلى دول قومية مقطَّعة الأوصال، لكل منها علم وحدود وحاكم يحرس مصالح القوى الكبرى أكثر مما يرعى شؤون الأمة. في تلك اللحظة الحرجة، ولدت الحاجة إلى مشروع يعيد للمسلمين شعورهم بالوحدة والرسالة.

لكن أي مشروع هذا؟ 
ومن سيحمله؟
 
الجذور الفكرية
نشأ المشروع الإسلامي المعاصر في مناخ اختلط فيه الجرح الحضاري مع طموح النهضة.
 
في الشرق، كان أثر الاستعمار البريطاني والفرنسي حاضرًا بقوة، مع محاولات تغريب الهوية وطمس الشريعة.
 
في الداخل، برزت أصوات إصلاحية مبكرة: محمد عبده، جمال الدين الأفغاني، رشيد رضا، الذين دعوا إلى إحياء العقل، وتجديد الفقه، وربط الأمة بمقاصد الشريعة لا بقشور التقليد.
هؤلاء لم يؤسسوا تنظيمات، لكنهم زرعوا البذور الفكرية التي ستتلقفها الحركات اللاحقة.
 
البذور التنظيمية
في عشرينيات القرن الماضي، ظهر حسن البنا مؤسس جماعة الإخوان المسلمين في مصر، رافعًا شعار "الإسلام نظام شامل". كان هذا الإعلان بمثابة صياغة حديثة للمشروع الإسلامي: الإسلام ليس مجرد عبادات، بل دولة ومجتمع واقتصاد وثقافة.
ومن هنا بدأت الفكرة تتجسد في شكل تنظيم، لا مجرد خطاب وعظي.
 
بالتوازي، كان المشهد السلفي ينمو في الجزيرة العربية بعودة الدعوة إلى نقاء التوحيد، وتأسيس الدولة السعودية الحديثة على أساس عقدي. هذه التجربة ستترك بصمتها لاحقًا على مسار الصحوة الإسلامية عالميًا.
 
أما التيار الجهادي، فقد نما جنينه الأول في أدبيات سيد قطب، التي حملت نَفَسًا ثوريًا حادًا، ثم خرج للوجود في ساحات أفغانستان ضد السوفييت، ليأخذ بعدًا عالميًا فيما بعد.
 
العوامل المغذية
عدة عوامل ساعدت على انتشار المشروع الإسلامي المعاصر:
 
1- الاستعمار: إذ أعاد إحياء الحس الديني كأداة مقاومة.
2- الهوية: شعور المسلم بالاغتراب داخل دول قومية علمانية.
3- الهزائم السياسية: مثل ضياع فلسطين، والتي فجّرت البحث عن بديل يقود الأمة.
4- التعليم والدعوة: انتشار الجامعات الإسلامية، وحلقات المساجد، والإعلام الإسلامي الناشئ.
 
خلاصة القصة 
بدأت من جرح عميق وطموح كبير:
جرح سقوط الخلافة وضياع السيادة.
وطموح استعادة الأمة لدورها عبر مشروع إسلامي جامع.
من هنا انطلقت البذور الأولى: 
فكر إصلاحي، 
تنظيم دعوي، 
تيار سلفي، 
ونَفَس جهادي. 
كل تيار حمل جزءًا من الرسالة، وكل واحد منهم سيكمل الحكاية في العقود التالية، لكن بطرائق متباينة، بل متصادمة أحيانًا.

رياض العسيري

Post a Comment

أووپس!!
يبدو أن هناك خطأ ما في اتصالك بالإنترنت. يرجى الاتصال بالإنترنت وبدء التصفح مرة أخرى.
الموافقة على ملفات تعريف الارتباط
نحن نقدم ملفات تعريف الارتباط على هذا الموقع لتحليل حركة المرور وتذكر تفضيلاتك وتحسين تجربتك.