استثمر في نفسك اليوم، واجعل التعلم عادة يومية. ابدأ الآن واجعل العلم رفيقك في رحلة النجاح. تابعنا على تيليجرام!

سلسلة مقالات استراتيجية (2) بين المثال والواقع: كيف تحولت مشاريع الجماعات الإسلامية عبر العقود؟


منذ بدايات المشروع الإسلامي المعاصر، كانت الشعارات تلمع في الأفق مثل نجمٍ واعد: 
"الخلافة"، "الحاكمية"، "الصحوة"، "الدولة الإسلامية". 
لكن ما إن نزلت هذه الشعارات إلى أرض الواقع حتى واجهتها صخور السياسة، وتعقيدات الاجتماع، وضغوط الدولة الحديثة. فتحولت الأحلام إلى مسارات متباينة، وأحيانًا إلى نقائض ما بُشِّر به الناس في البداية. 

المثال المعلن 
الجماعات الإسلامية رفعت سقف المثال عاليًا: 
الإخوان المسلمون قالوا إن الإسلام دين ودولة، عبادة ونظام حكم. 
السلفيون قدّموا صورة نقية عن العودة إلى الكتاب والسنة بفهم السلف. 
الجهاديون وعدوا بالتحرير والتمكين عبر الكفاح المسلح. 
كل تيار ادّعى أنه الأقرب إلى "النموذج الإسلامي الكامل"، وأن طريقته هي السبيل الأقوم لإحياء الدين في المجتمع والدولة. 

الواقع الممارس 
لكن حين دخلت هذه المشاريع إلى امتحان الواقع، ظهرت فجوة واسعة: 
الإخوان: من شعار "إقامة الخلافة" إلى القبول بالديمقراطية والعمل البرلماني، ثم المشاركة في حكومات قومية وعلمانية. انتهى بهم المسار إلى أن صاروا جزءًا من اللعبة السياسية التي كانوا ينتقدونها. 
السلفيون: من الانكفاء الدعوي على "تربية الفرد" إلى التحالف مع الأنظمة السياسية، بل تبرير سلطتها أحيانًا، وتقديم الطاعة لها تحت عنوان "طاعة ولي الأمر". 
الجهاديون: من تحرير الأمة إلى الانشغال بصراعات داخلية، وتكفير المخالف، وتحويل السلاح من مواجهة المستعمر إلى مواجهة الأقرب. 

عوامل التحول 
لم يكن التحول وليد الصدفة، بل نتيجة لعوامل ضاغطة: 
1- قوة الدولة الوطنية الحديثة: بهيبتها الأمنية والقانونية والإدارية. 
2- الضغوط الدولية: التي لا تسمح بقيام كيان إسلامي خارج المعادلة العالمية. 
3- البيئة الاجتماعية: التي لم تكن دومًا مستعدة للتضحية الجذرية التي تطلبتها الشعارات. 
4- العوامل الداخلية: مثل غياب الرؤية الإستراتيجية، وتضخم البنية التنظيمية على حساب الفكر. 

التناقض بين الخطاب والممارسة 
هذا التناقض ترك أثرًا عميقًا في نفوس الأتباع والجماهير: 
- تراجع الثقة في الخطاب الإسلامي الحركي. 
- ازدياد النقد الداخلي والانشقاقات. 
- نمو حالة من الوعي المرير: أن المثاليات على الورق شيء، والقدرة على تجسيدها في عالم السياسة شيء آخر. 

خلاصة 
المشاريع الإسلامية حملت حملاً كبيرًا، لكن الواقع كان أعقد من أن يستوعب تلك الشعارات في صورتها الخام. 
التحولات التي شهدناها ليست مجرد "أخطاء تكتيكية"، بل هي انعكاس لصدامٍ دائم بين المثال المطلق والواقع النسبي. 

ولأن هذه الفجوة لم تُعالج برؤية استراتيجية عميقة، فقد تكررت نفس الأخطاء عبر العقود، وتحوّلت الشعارات إلى مجرد ذكرى تُستدعى في الخطب أكثر مما تُترجم في الواقع.

رياض العسيري

Post a Comment

أووپس!!
يبدو أن هناك خطأ ما في اتصالك بالإنترنت. يرجى الاتصال بالإنترنت وبدء التصفح مرة أخرى.
الموافقة على ملفات تعريف الارتباط
نحن نقدم ملفات تعريف الارتباط على هذا الموقع لتحليل حركة المرور وتذكر تفضيلاتك وتحسين تجربتك.