ما نعيشه اليوم ليس أصلاً، ولا هو قدراً لا مفرّ منه. فثَمّة جمالٌ خفيّ قادرٌ على صناعة واقعٍ آخر .
تدافعٌ وصراعات، معارك وحروب…
لكنّ بدايتها الحقيقية ليست خارجنا، بل في أعماق الإنسان.
وهناك فقط تُحسم النهاية: بانتصار المارد أو انكساره.
قال تعالى:
﴿ثُمَّ جَعَلْنَاكُمْ خَلَائِفَ فِي الْأَرْضِ مِنْ بَعْدِهِمْ لِنَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ﴾
ومن قلب هذا الامتحان الإنساني، ومن وسط المعارك والقلق والخذلان، يعود الإنسان إلى أصله الأول… إلى تلك البذرة النبيلة التي تنتظر غيثَ إرادةٍ صادقة لتنبُت ماردًا نبيلاً، يستجيب للنداء ويغيّر وجه الواقع.
أعماقنا ساحات معاركٍ بين النور والظلام، والنبل واللؤم، والحرب والسلام، والقبح والجمال، والعدل والظلم.
وهي معارك مصيرية تحدّد وجهتنا… إمّا إلى الهدى، أو إلى العمى.
في الداخل بذورُ عهدنا مع الله…
مسؤوليّة الوفاء بذلك العهد، والإقرار بوحدانيّته، نورٌ خافت، وقوّةٌ داخلية، وحبٌّ يسع الكون بمن فيه.
إنه المارد النبيل… ينتظر اللحظة التي يُسمح له فيها أن يعبر الآفاق.
لقد تزيّنت الأرض باستخراج ثرواتها، وارتفعت ناطحات السحاب، وانفجرت ثورة التقنية والاتصالات…
لكن إن لم تُسعِف البشريّةُ نفسَها باستخراج عمقها النبيل، فلسوف تأكل بعضها بعضاً.
فالخوف أكبرُ سلاسل الأعماق، واليأس سقفٌ يخنق الضوء، والأنانية طينٌ يثقل الروح، والاعتياد على القبح يُطفئ آخر أنفاس النبل في الإنسان.
*حين يستيقظ العمق النبيل*…
حينها يخرج المارد النبيل؛
ماردٌ انتصر على اليأس، وكسر قيود الخوف، ومضى لا يتوقّف.
يخوض المعارك بشرف، شعاره: "سلامًا لَا نَبْتَغِي الجَاهِلِينَ".
يتعامل بالصدق والأمانة، ويقتلع كل بذرة ظلم واستبداد حتى لا ينحرف المسار.
يُزيّنه التطوّع،
ويغرس الكلمة الطيبة والموقف الحر،
ومساره التعايش والسلام،
وميزانه القسط والعدل،
وسلاحه الإيمانُ والعمل.
هنا… ينتصر عمقُنا النبيل.
وهذا العمق النبيل — لا غيره — هو القادر على تغيير الواقع حين تعجز كل الأدوات.
✍🏻 أوسان محمد
28_11_2025