استثمر في نفسك اليوم، واجعل التعلم عادة يومية. ابدأ الآن واجعل العلم رفيقك في رحلة النجاح. تابعنا على تيليجرام!

حتمية الوصول: أن تبدأ والنهاية في ذهنك: قراءة في قانون النهايات وأثره على حركة البدايات


في عالم الإدارة، اشتهر ستيفن كوفي بقاعدته الذهبية: ابدأ والغاية في ذهنك،
 لكن القرآن في هذا المقطع من سورة الأنعام يرفع هذا المفهوم من مجرد تخطيط دنيوي إلى حقيقة وجودية. إنه يستعرض مشاهد مختلفة؛ من تحالفات الجن والإنس، إلى تسلط الظالمين، إلى درجات العاملين، ثم يجمع كل هذه المسارات ليصبها في مصب واحد حتمي: ﴿إِنَّ مَا تُوعَدُونَ لَآتٍ﴾. هذا المقال يقرأ في أثر استحضار النهاية على سلوك البداية، وكيف يتحول اليقين بالآخرة إلى وقود للإنجاز في الدنيا.

الآية العمود: الحصار الحتمي.. لا مفر من القبضة

إن الآية التي تمثل نقطة الارتطام الحتمية لكل مسارات الحياة هي قوله تعالى: ﴿إِنَّ مَا تُوعَدُونَ لَآتٍ ۖ وَمَا أَنتُم بِمُعْجِزِينَ﴾ (134).
هذه الآية تغلق كل منافذ الهروب؛ فالوعد آتٍ (حصار زمني)، وأنتم غير معجزين (حصار مكاني/سلطوي).
ويعبر صاحب التفسير الأمثل عن هذه الحتمية بعبارة صارمة:
«كما أنّكم لا تستطيعون أن تخرجوا عن نطاق حكمه، ولا أن تهربوا من قبضته العادلة».
فالقانون يسري على الجميع: الظالم الموعود بالقصاص، والمحسن الموعود بالتمكين. لا أحد يملك قوة ردع توقف قطار القدر، ولا ملجأ يخرج به عن نطاق الحكم الإلهي.

سيكولوجية الزمن: قصر الأمل وحسن العمل

كيف نحول هذه الحتمية المخيفة إلى طاقة منتجة؟
هنا يأتي دور التربية النفسية، حيث يربط القشيري رحمه الله بين استحضار النهاية وبين جودة العمل قائلاً:
«الإشارة من هذه الآية إلى قِصَر الأمل، ومَنْ قصُرَ أملُه حَسُنَ عملُه، وكل ما هو آتٍ فقريبٌ أجَلُه».
فـ قصر الأمل ليس يأساً، بل هو الواقعية الزمنية التي تجعل الناهض يعيش يومه وكأنه يومه الأخير. هذا الشعور بـ قرب الآتي هو الذي يدفعه للمسابقة في الخيرات ليرتقي في الدرجات ﴿وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِّمَّا عَمِلُوا﴾.

فلسفة الإنذار: الرحمة قبل البطش

لماذا يخبرنا الله بهذه النهاية القاسية الآن؟ هل هو للترويع فقط؟
يستنبط البقاعي رحمه الله لمحة رحيمة مذهلة من قلب الوعيد، فيقول:
«وفي ذلك تقرير لأمر رحمته؛ لأن القادر إذا أراد النقمة أخذ على غرة ولم يهدد، وإذا أراد الرحمة تقدم بالوعيد ليحذر الفائزون ويستسلم الخاسرون».
فقوله تعالى ﴿إِنَّ مَا تُوعَدُونَ لَآتٍ﴾ هو صافرة إنذار مبكرة. إنها رحمة تمنحك الفرصة لتعديل المسار قبل فوات الأوان. فلو أراد الله بك شراً لأخذك بغتة وأنت غافل.

سقوط الأوهام: لو رأوا النهاية

لو طبق أكابر المجرمين (وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَا فِے كُلِّ قَرْيَةٍ اَكَٰبِرَ مُجْرِمِيهَا لِيَمْكُرُواْ فِيهَاۖ وَمَا يَمْكُرُونَ إِلَّا بِأَنفُسِهِمْ وَمَا يَشْعُرُونَۖ)(الآية 124) وأولياء الجن(...وَقَالَ أَوْلِيَآؤُهُم مِّنَ اَ۬لِانسِ رَبَّنَا اَ۪سْتَمْتَعَ بَعْضُنَا بِبَعْضٖ وَبَلَغْنَآ أَجَلَنَا اَ۬لذِےٓ أَجَّلْتَ لَنَاۖ…) (الآية 129) قاعدة ابدأ والنهاية في ذهنك، لتغيرت حياتهم.
لو رأى الظالم نهاية ولايته (الحساب)، لما ظلم.
ولو رأى المستمتع بالباطل نهاية متعته (النار)، لما طغى.
لكنهم عاشوا في وهم الخلود، فجاءتهم النهاية وهم غافلون.

الخاتمة: أنت نتاج عملك

النهاية قادمة، والهرب مستحيل، والمحدد الوحيد لمكانك في تلك النهاية هو عملك الآن ﴿وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ﴾. فابدأ يومك ونهايتك نصب عينيك، ليكون ختامك مسكاً.

كتب حسان الحميني،
والله الموفق.


اضافة:

روعة ومباهج سورة الأنعام، تأخذنا في هذا المقال المدهش لأستاذنا حسان الحميني، الى أفق وجودي آخر!!

أفق،، يحدد السعة الوجودية حتى لا تظن إسرافا مفتوحا الى ما لا نهاية!!
فتتراخى العزائم وتتأجل المبادرات!!

ولكن هنا،، صفارة الإنذار المبكرة كما قال-تشعر السامع واللاهي، معا، بالعد التنازلي !!

أعمارنا تنقص من حيث نحسبها تزداد!!

فتنتهي مجانية التعامل مع الزمن!!
مع الدقائق والثواني!!

فكيف بالايام والسنوات!!

ومن الجهة الأخرى،، قد ينحرف بعض الحمقى هروبا أو ظن هروب من هذا التحديد المرعب للزمان وللمكان،، قد يظنون الهرب الى *الآخرة نفسها*
أو بالاحرى الهروب فيها الى حسن ظن غير ذي عمل- بالله!!
أو حتى بتقديم كثير من النوافل والاذكار بالملايين!!
وعلاقاتهم بالناس وبالفرص والموارد والعلوم صفر في أصفار !!!!

هذه الهربة الأخيرة -في الآخرة كيف تفندونها معشر كتاب جيل النهضة !!!؟؟

هل منكم من يشارك الاستاذ حسان هذا المقام!!؟؟

إنا لمنتظرون!!

Post a Comment

أووپس!!
يبدو أن هناك خطأ ما في اتصالك بالإنترنت. يرجى الاتصال بالإنترنت وبدء التصفح مرة أخرى.
الموافقة على ملفات تعريف الارتباط
نحن نقدم ملفات تعريف الارتباط على هذا الموقع لتحليل حركة المرور وتذكر تفضيلاتك وتحسين تجربتك.