استثمر في نفسك اليوم، واجعل التعلم عادة يومية. ابدأ الآن واجعل العلم رفيقك في رحلة النجاح. تابعنا على تيليجرام!

"الصلاحية والفاعلية: لماذا يتخلف بعض المتدينين ويتقدم غيرهم؟"

كثيرًا ما يتردد السؤال: "لماذا يتقدم غير المسلمين – رغم إلحادهم أحيانًا – بينما يتأخر المسلمون رغم صلاحية دينهم؟". ويبدو هذا التساؤل صادمًا، لكنه يكشف عن خطأ في زاوية النظر؛ فليس الدين هو الذي يتقدم أو يتأخر، بل الإنسان الذي يحمله. فهناك فارق كبير بين "صلاحية الإسلام" و"فاعلية المسلمين".

أولًا: صلاحية الإسلام ليست محل شك

الإسلام دينٌ خاتم، نزل للناس كافة، يحوي في أصوله مبادئ العدالة، والحرية، والكرامة، والعقل، والعلم، والعمل، والشورى، والتنمية، والنهوض الحضاري. هو مشروع نهضة كامل متكامل، بشهادة من قرأه بإنصاف من المسلمين وغير المسلمين.
لكنه في حقيقته "منهج" لا "ماكينة"، لا يعمل تلقائيًا، بل يحتاج إلى "فاعل"، و"قصد"، و"تطبيق".

ثانيًا: الفاعلية ليست في الشعار بل في الفعل

حين نحكم على حضارة بأنها متقدمة، فإننا نحكم على فاعلية أهلها في التعامل مع أدوات الحياة: العلم، التقنية، النظام، الإدارة، احترام الإنسان، الاستثمار في الوقت والمعرفة.
أما المسلمون – أو بعضهم – فغالبًا ما اكتفوا بـ"شعارات الإسلام" لا بفعل الإسلام. قالوا: "الإسلام هو الحل"، دون أن يسألوا: "أين الحل في سلوكنا؟ في نظمنا؟ في تعليمنا؟". تحول الدين عند البعض إلى هوية ثقافية أكثر من كونه مشروع نهضوي تطبيقي.

ثالثًا: الذين تقدموا لم يتقدموا بسبب كفرهم، بل بسبب فهمهم لقوانين الله في الكون

حين نرى أن "الملحد الفلاني" عالمٌ كبير، أو أن "الدولة الغربية" المتقدمة غير دينية، فهذا لا يعني أن "الإلحاد" هو سبب التقدم، بل هم قد استخدموا سُنن الله في العلم والعمل والبحث والتطوير.
والله يقول:
"سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا" [الأحزاب: 62]
أي أن قوانين الكون لا تتحيز لمسلم أو كافر، بل لمن يحسن التعامل معها.

رابعًا: في يوم القيامة يأتي النبي وليس معه أحد

وهذا يدلنا أن القضية ليست في صحة الرسالة، بل في استجابة الناس لها. قد يكون النبي معصومًا، والرسالة كاملة، ومع ذلك لا يتبعه أحد.
فهل نقول إن "الدين فشل"؟ كلا. بل نقول: "الناس لم يحملوا الدين كما ينبغي".

خامسًا: صلاحية بلا فاعلية = عجز

تخيل طبيبًا يحمل دواءً شافيًا لكنه لا يعطيه للمريض، أو لا يعرف طريقة استعماله، أو يرفض استخدامه. هل نلوم الدواء؟ أم الطبيب؟
هذا هو حال بعض المسلمين اليوم: يملكون أعظم كتاب، وأعظم رسالة، وأعظم قدوة، لكنهم عجزوا عن تحويل ذلك إلى مؤسسات، مناهج، نظم، سلوك، إبداع، إنتاج.

سادسًا: الأمم لا تتقدم بكثرة الشعائر وحدها، بل بالتحول بها إلى فكر وسلوك حضاري

كم من أمة صلت وصامت، لكنها ظلت على حالها قرونًا، لأن الشعائر لم تنتقل إلى سلوك جمعي مؤسس، ولم تُربط بجدول نهضة، ولم تُفعَّل على مستوى الدولة والمجتمع والتعليم والاقتصاد.
خاتمة:
إسلامنا صالحٌ لكل زمان ومكان، لكنه لن يصنع لنا المجد ما لم نكن نحن أيضًا صالحين للفعل، نمتلك أدوات الفاعلية، ونفهم ديننا كمنهج تغيير، لا كهوية فقط.
من هنا، يجب أن يكون السؤال الصحيح:
"كيف نصبح نحن فعّالين بما نملك من صلاح؟" لا أن نُشكك في صلاح الدين بسبب فشلنا في تمثيله.


د.سامر الجنيدي_القدس

إرسال تعليق

أووپس!!
يبدو أن هناك خطأ ما في اتصالك بالإنترنت. يرجى الاتصال بالإنترنت وبدء التصفح مرة أخرى.
الموافقة على ملفات تعريف الارتباط
نحن نقدم ملفات تعريف الارتباط على هذا الموقع لتحليل حركة المرور وتذكر تفضيلاتك وتحسين تجربتك.