استثمر في نفسك اليوم، واجعل التعلم عادة يومية. ابدأ الآن واجعل العلم رفيقك في رحلة النجاح. تابعنا على تيليجرام!

الجهاد لضمان حرية الاعتقاد

المتأمل لقوله تعالى في سورة الفتح

﴿ قُلْ لِلْمُخَلَّفِينَ مِنَ الْأَعْرَابِ سَتُدْعَوْنَ إِلَىٰ قَوْمٍ أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ تُقَاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ ۖ فَإِن تُطِيعُوا يُؤْتِكُمُ ٱللَّهُ أَجْرًا حَسَنًۭا ۖ وَإِن تَتَوَلَّوْا كَمَا تَوَلَّيْتُم مِّن قَبْلُ يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًۭا ﴾
قد يستشكل عليه الجمع بين هذه الآية و بين قوله تعالى  
{ لَاۤ إِكۡرَاهَ فِی ٱلدِّینِۖ قَد تَّبَیَّنَ ٱلرُّشۡدُ مِنَ ٱلۡغَیِّۚ فَمَن یَكۡفُرۡ بِٱلطَّـٰغُوتِ وَیُؤۡمِنۢ بِٱللَّهِ فَقَدِ ٱسۡتَمۡسَكَ بِٱلۡعُرۡوَةِ ٱلۡوُثۡقَىٰ لَا ٱنفِصَامَ لَهَاۗ وَٱللَّهُ سَمِیعٌ عَلِیمٌ }
[سُورَةُ البَقَرَةِ: ٢٥٦]
و بالنظر لكتب التفسير لفهم سياق الآيات يجد أن 
الآية في سورة الفتح تخاطب الأعراب الذين تخلفوا عن المشاركة في صلح الحديبية، وتخبرهم بأنهم سيدعون لاحقًا إلى الجهاد ضد قوم أقوياء (كالروم أو الفرس أو هوازن حسب التفسيرات). وسيكون أمام هؤلاء القوم أحد خيارين:

- "تقاتلونهم أو يسلمون":  
  أي: إما أن يدور بينكم وبينهم قتال، أو يدخلوا في الإسلام.

الجمع بين الآية وبين آية "لا إكراه في الدين" يتلخص في:

أن الآية لا تعني إجبارًا على الدخول في الإسلام، وإنما تتحدث عن أحد مآلات المعركة: فإما أن يُقاتَل القوم فيسلموا لله طوعًا أو كرهًا من باب الاستسلام السياسي والعسكري، أو يتمكن منهم المسلمون في القتال.

أما قوله تعالى: "لا إكراه في الدين" (البقرة: 256)  
فهو أصل ثابت يدل على *عدم إجبار الناس على الدخول في الإسلام اعتقادًا.
الجمع بين المعنيين:
- "لا إكراه في الدين": لا يجوز حمل الناس على اعتقاد الإسلام بالقهر.
- "تقاتلونهم أو يسلمون": أي يسلمون إما بمعنى الدخول في الإسلام اختيارًا، أو بمعنى الاستسلام والانقياد لحكم الإسلام كدولة وسلطة، وهذا لا يناقض حرية المعتقد.
- الآية تتكلم عن سياق عسكري سياسي، لا عن إكراه ديني. الإسلام لم يُكره أحدًا على الدخول في الدين، لكن من حارب المسلمين قد يُقاتل حتى يستسلم أو يختار الإسلام عن قناعة.

وبالرجوع للسيرة النبوية يجد  عدة مواقف من سيرة النبي محمد ﷺ تؤكد أن الإسلام لم يُكره الناس على اعتناقه، وتُوضّح معنى "تقاتلونهم أو يُسلمون" في سياقها السياسي والعسكري، لا العقائدي ومن أبرز الأدلة:

1. وثيقة المدينة:
عند تأسيس الدولة في المدينة، كتب النبي ﷺ وثيقة تضمن حرية المعتقد لليهود وغيرهم. وجاء فيها:  
"لليهود دينهم وللمسلمين دينهم"  
→ دليل على عدم الإكراه في الدين، رغم أنهم تحت سلطة الدولة الإسلامية.

2. موقفه ﷺ من أهل مكة بعد الفتح:
عندما دخل النبي ﷺ مكة فاتحًا، قال لأهلها:  
"اذهبوا فأنتم الطلقاء"  
→ لم يُكرههم على الإسلام، رغم أنهم كانوا عدوًا له لسنين، بل خيّرهم.

3. تعامل النبي ﷺ مع نصارى نجران:
النبي ﷺ استقبل وفد نجران النصراني، وناقشهم، ولم يُجبرهم على الإسلام، بل أقرّهم على دينهم وكتب معهم عهدًا يضمن لهم الأمن.

4. إبقاؤه ﷺ لليهود في خيبر:
بعد غزوة خيبر، أبقى النبي ﷺ اليهود في أرضهم، وقال:  
"نُقرّكم ما أقرّكم الله"  
→ لم يُجبرهم على الإسلام، بل سمح لهم بالبقاء كمواطنين يدفعون الجزية.

5. وصاياه في القتال:
كان النبي ﷺ يوصي جيوشه:  
"لا تقتلوا شيخًا فانيًا، ولا طفلاً، ولا امرأة، ولا تقطعوا شجرة..."  
وكان يقول:  
"ادعهم إلى الإسلام، فإن أجابوك، فاقبل منهم..."  
→ الدعوة للإسلام تسبق القتال، وغاية القتال ليس لإكراه أحد على الدين، بل لحماية الدولة ورفع الظلم.

 مما سبق نجد أن السيرة النبوية تؤكد أن "القتال" كان لإزالة الحواجز السياسية أو العدوانية أمام حرية الدعوة، لا لإكراه الناس على العقيدة. ومن دخل الإسلام فذلك باختياره، ومن بقي على دينه فله حريته تحت حكم الإسلام.



د.عائشة مياس

إرسال تعليق

أووپس!!
يبدو أن هناك خطأ ما في اتصالك بالإنترنت. يرجى الاتصال بالإنترنت وبدء التصفح مرة أخرى.
الموافقة على ملفات تعريف الارتباط
نحن نقدم ملفات تعريف الارتباط على هذا الموقع لتحليل حركة المرور وتذكر تفضيلاتك وتحسين تجربتك.