استثمر في نفسك اليوم، واجعل التعلم عادة يومية. ابدأ الآن واجعل العلم رفيقك في رحلة النجاح. تابعنا على تيليجرام!

البيتُ بيتُ زوجتك لا بيتُكَ


(هذا ما خطر ببالي عندما أصلي الفجر اليوم ، ويقرء الإمام سورة الطلاق)

            من المألوف في أذهان الناس أن الرجل هو صاحبُ البيت ومالكُه، غير أنّ الحقيقةَ القرآنيةَ تُظهِرُ وجهًا آخرَ، أرقَّ وأعمقَ وألطفَ:
        فالرجلُ ليسَ إلا ساكنًا عند زوجته، كما قال تعالى: ﴿لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا﴾ "لكي تسكنوا إليها"
              أي إنّ السكنَ الحقيقيَّ ليس في الجدران، بل في المرأة ذاتها، هي موضعُ السكينة، ومصدرُ الطمأنينة، ومأوى القلب قبل أن تكون مأوى الجسد.
فكأنّ البيوتَ – في منطق القرآن – بيوتُ النساء لا بيوتُ الرجال.

 من كنوز القرآن تأمل بلاغيّ عجيب_
          وقفتُ عند قوله تعالى:
﴿لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ﴾
 (الطلاق: 1)
         فتساءلتُ: لِمَ نسبَ اللهُ تعالى البيتَ إلى المرأة، مع أنّ الرجل هو المالك في العُرف والعادة؟ ثم تتبعتُ آياتِ القرآن كلَّها التي ورد فيها لفظُ البيت منسوبًا إلى النساء، فرأيتُ من ورائها حكمةً بالغةً، وبلاغةً تُدهشُ القلبَ والعقلَ معًا،
إذ يُظهِرُ اللهُ من خلالها عظمةَ مكانةِ المرأة، ودقّةَ شعورِها، وسموَّ احترامِها في ميزان الوحي.

 تأملات في بعض الآيات
            ١- قوله تعالى: ﴿وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَن نَّفْسِهِ﴾ (يوسف: 23)
قال: "في بيتها" — مع أن البيتَ كان بيتَ العزيزِ، لا بيتَها! لكن الله تعالى نسبَه إليها؛ تكريمًا لأنوثتِها، واعترافًا بدورها في إدارة البيت، ولأنّ البيتَ في حقيقته مملكةُ المرأة، ومجالُ عاطفتِها وتدبيرِها.
فيا لجمالِ هذا الإسناد! ويا لروعةِ هذا الاحترام الربّانيّ!
           ٢- وقوله تعالى: ﴿وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَىٰ﴾ (الأحزاب: 33)
قال: "في بيوتكنَّ" — لم يقل: في بيوت أزواجكنّ.
فجعل الله البيتَ بيتَ المرأة، لأنها موضعُ القرار والستر،
ومنبعُ الحياء والعفاف، ومهدُ تربيةِ الأجيال.
                ٣- وقوله تعالى: ﴿وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَىٰ فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ﴾ (الأحزاب: 34)
سبحان الله! إنها بيوتُ النبي ﷺ، ولكنّ الله نسبَها إلى أمهات المؤمنين. أيُّ شرفٍ أعظمُ من هذا؟ نسبةُ بيتِ النبوّةِ إلى الزوجةِ تكريمًا لها، وإعلاءً لشأنها، وإشعارًا بأنّ المرأة شريكةُ الرسالةِ في صناعة البيت المؤمن.
             ٤- وقوله تعالى: ﴿لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِن بُيُوتِهِنَّ﴾ (الطلاق: 1)
حتى في حال الطلاق الرجعيّ،
حافظ اللهُ تعالى على نسب البيت إليها، فقال: "بيوتهنّ"، لتبقى المرأةُ في بيتها في عدّتها،
لا تُهانُ، ولا تُطرَدُ، ولا يُنتزعُ منها الأمانُ الذي عاشتْ فيه.
إنه ذوقٌ ربانيٌّ في حفظ الكرامة حتى عند الافتراق!

 موضعٌ وحيد اختلف فيه الإسناد_
       ﴿وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِن نِّسَائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِّنكُمْ فَإِن شَهِدُوا فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ...﴾
(النساء: 15)
تأمّل!
قال: "في البيوت" ولم يقل: في بيوتهنّ.
فلما فقدت المرأةُ عفّتَها،
سُلبت منها تلك النسبةُ الكريمةُ،
فلم تعُدِ البيوتُ تُنسَبُ إليها،
لأنّ شرفَ البيتِ من شرفِ ساكنتِه.

        بلاغةٌ تفيضُ رحمةً وكرامةً
يا سبحان الله!
ما أعجبَ دقّةَ القرآن في اختيارِ الألفاظ!
كلمةٌ واحدةٌ تغيّرُ وجهَ المعنى، وتكشفُ عن بحرٍ من الحكمة.
لقد رفعَ الإسلامُ شأنَ المرأةِ رفعًا لم تبلغهُ حضارةٌ من قبل،وجعلها محورَ البيت، وسرَّ السكينة، ومصدرَ الحنان، وأعطاها حقَّها الكاملَ من الاحترامِ والإنسانية.
أما تلك "الحريةُ المزعومة" التي تُنادي بها الحضاراتُ المادية،
فما هي إلا عبوديةٌ جديدة تُحطّم أنوثةَ المرأةِ باسم التحرر،
وتسلبُها تاجَ الكرامةِ الذي ألبسها إياه الإسلام.
               إنّ القرآنَ الكريم حين نسبَ البيوتَ إلى النساء،
أراد أن يقول لنا بلطفٍ إلهيٍّ: إنّ المرأةَ ليست ضيفةً في بيتها، بل هي ركنُه وروحُه.
فيا من تسكنُ عند زوجتك، اعلم أن بيتها أمانةٌ عندك، وأنّك ضيفٌ في مملكتها، فكن كريمًا، حنونًا، مؤدّبًا كما يليقُ بضيفٍ عند كريمة.

✍🏻 ابو خالد بن ناظر الدین القاسمی 

Post a Comment

أووپس!!
يبدو أن هناك خطأ ما في اتصالك بالإنترنت. يرجى الاتصال بالإنترنت وبدء التصفح مرة أخرى.
الموافقة على ملفات تعريف الارتباط
نحن نقدم ملفات تعريف الارتباط على هذا الموقع لتحليل حركة المرور وتذكر تفضيلاتك وتحسين تجربتك.